وذكر عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنها جعلت أرواحهم في أجواف طير سود، فهي تعرض على النار كل يوم مرتين (غُدُوًّا وَعَشِيًّا) إلى أن تقوم الساعة. فهو تفسير لما ذكر من الغدو والعشي، ثم إن ثبت هذا عنه فهو سماع عن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -؛ لأنه باب لا يدرك بالتدبير مع ما روي عن ابن عمر - رضي اللَّه عنهما - قال: إن نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال:" إذا مات أحدكم عرض على مقعده بالغداة والعشي: إن كان من أهل الجنة فمن الجنة، وإن كان من أهل النار فمن النار، يقال له: ها ذاك مقعدك حتى يبعث إليه يوم القيامة " فإن ثبت هذا وصح عنه، فهو دليل لوجوب عذاب القبر، واللَّه أعلم.
وجائز أن يكون قوله:، أي: يعذبون في الأوقات كلها بعد إدخالهم فيها، وذكر الغدو والعشي يخرج على سكون النار في أوقات ثم تلتهب؛ كقوله تعالى:(كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا)، واللَّه أعلم.
فَإِنْ قِيلَ: ما الحكمة فيما ذكر من إدخال آل فرعون في أشد العذاب، والخصوصية لهم في ذلك من بين غيرهم من الكفرة؟
قيل لوجهين: أحدهما: أن غير موسى من الرسل - عليهم السلام - قد نسبوا إلى السحر كما نسب إليه موسى، لكن لم يتبين ولا تحقق لقومهم براءة رسلهم فيما قرفهم الرؤساء والقادة منهم بالسحر والكذب بما وجد منهم التمويه على السفلة والأتباع، وقد تحقق لآل فرعون براءة موسى مما قرفه فرعون بالسحر والكذب، وتبين عندهم صدق ما ادعى من الرسالة، وذلك مما أقر جميع سحرة فرعون أن ما جاء به موسى حق وما يقوله صدق، وإيمانهم بموسى - عليه السلام - نهارا جهارا، واختاروا القطع والصلب، ولم يمتنعوا عن متابعته، وما رأوا من انقلاب العصا حية تسعى وتلقف ما صنعوا؛ فيكون عنادهم أشد ومكابرتهم أكبر؛ فلذلك استحقوا أشد العذاب، واللَّه أعلم.
والثاني: أن آيات موسى أكثرها كانت حسية وآيات غيره عقلية، ومعرفة ما كان سبيله الحس مما لا يتمكن فيه شبهة؛ وقد يتمكن الشبهة فيما كان سبيله العقل، فيكون عنادهم أشد.