وقوله - تعالى -: (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ)، ليس هو قول الناس: نستغفر اللَّه، ولكن كأنه قال: كونوا على الحال التي تكون أعمالكم مكفرة للذنوب؛ ألا ترى إلى قول هود لقومه:(وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ. . .) الآية. وقال نوح - عليه السلام - لقومه:(اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. . .) الآية، لم يريدوا أن يقولوا: نستغفر اللَّه قولا حسب؛ ولكن أرادوا أن يكونوا على الحال التي تكون أعمالهم مكفرة لذنوبهم؛ لأنهم لو قالوا بلسانهم ألف مرة: نستغفر اللَّه، لكان لا ينفعهم ذلك؛ فعلى ذلك قوله:(وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)
وحقيقة الاستغفار وجهان:
أحدهما: الانتهاء عما أوجب العقوبة؛ لقوله:(إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وعلى ذلك معنى قول من ذكر.
والثاني: طلب الستر بالعفو والتجاوز.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ... (١٠٧) هو ما ذكرنا أن العصمة لا تنفع؛ إذا لم يكن أمر ونهي.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ): لا أحد يقصد قصد خيانة نفسه، ولكن لما رجع في العاقبة ضرر الخيانة إلى أنفسهم، صاروا كأنهم اختانوا أنفسهم كقوله:(وَمَا يَخْدَعُون إِلا أنفُسَهُم)، لا أحد يقصد قصد خداع نفسه؛ لكن لما رجع في العاقبة حاصل الخداع إليهم - صاروا كأنهم خدعوا أنفسهم؛ فعلى ذلك الأول، والله أعلم.