للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ثمة أمر ونهي، فأما إذا لم يكن ثمة لا أمر ولا نهي فلا معنى للعصمة والتوفيق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (١٠٦)

وقوله - تعالى -: (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ)، ليس هو قول الناس: نستغفر اللَّه، ولكن كأنه قال: كونوا على الحال التي تكون أعمالكم مكفرة للذنوب؛ ألا ترى إلى قول هود لقومه: (وَيَا قَوْمِ اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ ثُمَّ تُوبُوا إِلَيْهِ. . .) الآية. وقال نوح - عليه السلام - لقومه: (اسْتَغْفِرُوا رَبَّكُمْ إِنَّهُ كَانَ غَفَّارًا. . .) الآية، لم يريدوا أن يقولوا: نستغفر اللَّه قولا حسب؛ ولكن أرادوا أن يكونوا على الحال التي تكون أعمالهم مكفرة لذنوبهم؛ لأنهم لو قالوا بلسانهم ألف مرة: نستغفر اللَّه، لكان لا ينفعهم ذلك؛ فعلى ذلك قوله: (وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا)

وحقيقة الاستغفار وجهان:

أحدهما: الانتهاء عما أوجب العقوبة؛ لقوله: (إِنْ يَنْتَهُوا يُغْفَرْ لَهُمْ مَا قَدْ سَلَفَ) وعلى ذلك معنى قول من ذكر.

والثاني: طلب الستر بالعفو والتجاوز.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ ... (١٠٧) هو ما ذكرنا أن العصمة لا تنفع؛ إذا لم يكن أمر ونهي.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ): لا أحد يقصد قصد خيانة نفسه، ولكن لما رجع في العاقبة ضرر الخيانة إلى أنفسهم، صاروا كأنهم اختانوا أنفسهم كقوله: (وَمَا يَخْدَعُون إِلا أنفُسَهُم)، لا أحد يقصد قصد خداع نفسه؛ لكن لما رجع في العاقبة حاصل الخداع إليهم - صاروا كأنهم خدعوا أنفسهم؛ فعلى ذلك الأول، والله أعلم.

قوله تعالى: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لَا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا (١٠٨) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلًا (١٠٩)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلَا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ)

يحتمل وجهين:

يحتمل: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ)، أي: يحتشمون من الناس أن يعلموا بصنيعهم، ولا يحتشمون من اللَّه، على علم منهم أنه لا يخفى عليه شيء.

ويحتمل: (يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ)، أي: يسترون سرهم من الناس.

<<  <  ج: ص:  >  >>