للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقيل: (يَنعِقُ) بمعنى يُنْعَقُ، ذكر الفاعل على إرادة المفعول؛ كقوله: (عِيشَةٍ رَاضِيَةٍ) أي مرضية. فعلى ذلك الأولى، وهو في اللغة جائز جارٍ.

وقوله: (صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ).

سماهم بذلك وإن لم يكونوا في الحقيقة كذلك؛ لما لم ينتفعوا بها، إذ الحاجة من هذه الأشياء الانتفاع بها؛ ولذلك سماهم سفهاء لما لم ينتفعوا بعلمهم وعقلهم.

* * *

قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَاشْكُرُوا لِلَّهِ إِنْ كُنْتُمْ إِيَّاهُ تَعْبُدُونَ (١٧٢) إِنَّمَا حَرَّمَ عَلَيْكُمُ الْمَيْتَةَ وَالدَّمَ وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ وَمَا أُهِلَّ بِهِ لِغَيْرِ اللَّهِ فَمَنِ اضْطُرَّ غَيْرَ بَاغٍ وَلَا عَادٍ فَلَا إِثْمَ عَلَيْهِ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ (١٧٣)

وقوله: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ).

يتوجه وجهين:

أحدهما: الإذن في الأكل ما تستطيبه النفس وتتلذذ به، ليكون أرضى وأشكر لله فيما أنعم عليه، ويكون على إرادة الحلال بقوله: (طيباتِ)، فيكون في الآية دليل كون المرزوق حلالًا وحرامًا، إذ قيل: " من ذا "، ولم يقل: " كلوا ذا "، ولو كان كل الرزق حلالًا لكان يقول: " كلوا مما رزقناكم ". واللَّه أعلم.

ثم حق المحنة التمكين مما يحرم ويحل، ومما ترغب إليه النفس وتزهد. فجائز جميع ذلك كله في الملك وفي الرزق ليمكن لكم من الأمرين بالمحنة، إذ ذلك حق المحنة.

واللَّه الموفق.

وقوله: (كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ)، يدل على أن الذي كان لهم الأكل وأمرهم بالتناول منه هو الحلال.

ثم فيه الدليل على أن من الرزق ما هو طيب حلال، وما هو خبيث حرام؛ إذ لو لم يكن منه طيبٌ وخبيثٌ لكان لا يشترط فيه ذكر الطيب، بل يقول: " كلوا مما رزقناكم ".

فَإِنْ قِيلَ: فما وجه الحكمة في الامتحان بجعل الخبيث رزقًا لهم؟

قيل: هذا أصل المحنة في كل شيء، يجعل لهم الغذاء؛ فلا يأمرهم بالامتناع عنه، ويجعل لهم قضاء الشهوة في المحرم ويأمرهم بالكف. وهو الظاهر من المحن.

وقوله: (وَاشْكُرُوا لِلََّهِ).

<<  <  ج: ص:  >  >>