للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كذبتموها، يعذبكم كما عذب أُولَئِكَ؛ إذ من حكمه الإهلاك على أثر السؤال، كأنه ينهى أهل مكة عن سؤال الآيات، فإن على إثره الإهلاك إذا لم يقبلوها.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَجَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ) يحتمل البينات التي تبين ما يؤتى وما يتقى، وقد ذكرناها في غير موضع.

(وَمَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا): يخبر رسوله أنهم وإن سألوك الآيات فإذا جئت بها فإنهم لا يؤمنون، يعني: أهل مكة.

(كَذَلِكَ نَجْزِي الْقَوْمَ الْمُجْرِمِينَ): كل مجرم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ فِي الْأَرْضِ مِنْ بَعْدِهِمْ لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ (١٤)

يحتمل قوله: (خَلَائِفَ) أي: جعل أنفسكم خلف أنفس أُولَئِكَ الذين لم يهلكهم، يخرج هذا مخرج تذكير النعمة والامتنان والرحمة، يذكرهم أنه لو شاء أهلك الكل، فلا يكون هَؤُلَاءِ خلف أُولَئِكَ، ولكن بفضله ورحمته أبقاكم.

ويحتمل قوله: (ثُمَّ جَعَلْنَاكُمْ خَلَائِفَ) أُولَئِكَ في المحنة والعبادة أي: جعل عليكم من المحنة والعبادة كما كان على آبائكم من المحنة والعبادة.

ويشبه أن يكون قوله جعلناكم خلائف، الذين لم يظلموا، فكيف لا تتبعونهم؛ لأن الذين ظلموا قد أهلكتهم، فأنتم خلائف أُولَئِكَ الذين لم يظلموا ولم يكذبوا الرسل، فكيف لا تتبعونهم كأنهم ادعوا أن آباءهم كانوا على ما هم عليه، وأنهم على مذاهب آبائهم، يقول: جعلناكم خلائف في الأرض من بعدهم، أي: لست أنا بأول رسول أرسلت إليكم، بل لم يزل اللَّه يرسل رسلا في الأمم، فكان فيهم لهم أتباع يتبعون رسلهم إلى ما يدعونهم إليه ويجيبونهم، فاتبعوني أنتم يا أهل مكة فيما دعيتم إليه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِنَنْظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ): لم يزل اللَّه تعالى عالمًا بما كان ويكون منهم من المعصية والطاعة، ولكن ليعلمهم عصاة ومطيعين؛ لأن المعصية إنما تكون بعد ما يكون النهي والطاعة إنما تكون بالأمر فيبتليكم فيعلمكم عصاة كما علم أنه يكون منكم معصية ويعلمكم مطيعين كما علم أنه يكون منكم الطاعة، وقد ذكرنا أمثال هذا فيما تقدم، واللَّه أعلم.

<<  <  ج: ص:  >  >>