للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والثاني: واصبر وما صبرك إلا باللَّه، أي: تركك القصاص لأمر اللَّه؛ حيث أمرك به، لا لضعف أو عجز فيك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ).

قال: إنه كان يحزن ويضيق صدره؛ لمكان كفرهم باللَّه، وتركهم الإيمان باللَّه؛ كقوله: (لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ أَلَّا يَكُونُوا مُؤْمِنِينَ)، وقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)؛ فقال: (وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ): لذلك على التسلي والتخفيف لا على النهي عن ذلك.

ويحتمل: أن يكون قوله: (وَلَا تَحْزَنْ): على المؤمنين الذين قتلوا واستشهدوا؛ لأنهم مستبشرون فرحون عند ربهم بما آتاهم اللَّه من فضله؛ كقوله: (بَلْ أَحْيَاءٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ (١٦٩) فَرِحِينَ بِمَا آتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)، أي: لا تحزن عليهم، وهم فيما ذكر.

أو لا تحزن على المؤمنين، ولا يضيقن صدرك مما يمكر بك أُولَئِكَ الكفرة؛ إذ كانوا يكفرون برسول اللَّه وبأصحابه ويؤذونهم، أخبر أن لا يضيقن صدرك لذلك.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: نزلت في أمر حمزة سيد الشهداء: أنه مُثِّل به وجرح جراحات عظيمة؛ فاشتد على النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فقال: " لَئِنْ ظَفِرنَا بِأُولَئِك لَنَفْعَلَنَّ كَذَا وَلَنَفْعَلَنَّ كَذَا "؛ فنزلت الآية: (وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ. . .)، لكن إن ثبت هذا فإنه يكون في الوقت الذي كان يؤخذ غيره - القاتل والجارح - بالقتل، وذلك قد كان في الابتداء؛ ألا ترى أنه قال: (الْحُرُّ بِالْحُرِّ وَالْعَبْدُ بِالْعَبْدِ. . .): كانوا هموا أن يأخذوا الحرَّ بالعبد والذكرَ بالأنثى، حتى نزل هذا فصار منسوخًا به، وبقوله: (وَلَكُمْ فِي الْقِصَاصِ حَيَاةٌ). ولو كان يؤخذ غير القاتل بالقصاص - لم يكن فيه حياة، أو إن قالوا في الحرب مع الكفرة فذلك لا يحتمل؛ لأنه في الحرب لهم أن يقتلوا الكل، وألا يتركوا واحدًا منهم؛ دل أنه يخرج على أحد وجهين:

على النسخ الذي ذكرنا.

أو على النهي عن أخذ أكثر من حقه، وكقوله: (فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ. . .) الآية.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا ... (١٢٨)

<<  <  ج: ص:  >  >>