للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

في قليب - هل وجدتم ما وعد ربكم حقا؟! ألم تكذبوا نبيكم وتكفووا بربكم وتقطعوا أرحامكم "؟! فأنزل اللَّه هذه الآية: (إِنَّكَ لَا تُسْمِعُ الْمَوْتَى).

لكن عندنا أن اللَّه تعالى سمى الكافر: ميتًا في غير آي من القرآن؛ لما لم يجهدوا أنفسهم في عبادة اللَّه ولا استعملوها في طاعته، فهم كالموتى، وسماهم: صُمًّا؛ لما لم يسمعوا الحق ولم يقبلوه، وسماهم: بُكما؛ لما لم ينطقوا بالحق ولا تكلموا به، وسماهم: عُميا؛ لما لم يبصروا الحق، وسماهم: موتى؛ لما لم يستعملوا أيديهم في الحق؛ فنفى عنهم هذه الحواس لما لم ينتفعوا بهذه الحواس، ولا استعملوها فيما أنشئت وخلقت وإن كانت لهم هذه الحواس؛ فعلى ذلك سماهم: موتى وهلكى، وفي موضع آخر شبههم بالأنعام وأخبر أنهم أضل؛ لما لم يستعملوا أنفسهم فيما أنشئت هي له، ولم ينتفعوا بها.

فَإِنْ قِيلَ: ما معنى قوله: (وَلَا تُسْمِعُ الصُّمَّ الدُّعَاءَ إِذَا وَلَّوْا مُدْبِرِينَ): أخبر أنه لا يقدر على أن يسمع الصم إذا ولوا مدبرين، ولا يقدر أن يسمع الصم وإن أتوا مقبلين ولم يولوا؟

قيل: معناه - واللَّه أعلم - أنهم صاروا صُمًّا لا ينتفعون بما سمعوا لإعراضهم وترك إمكان النظر فيه، ولو أقبلوا إليه لانتفعوا به، فيصير مسمعا لهم؛ يخبر عن شدة تعنتهم ومكابرتهم أنهم كالصم المدبرين، لا يمكن إسماعهم بحال ولا تفهيمهم وإن جهد، وأما الصم المقبلون فإنهم قد يمكن إسماعهم وتفهيمهم بجهد بالإشارة والإيماء، واللَّه أعلم بذلك.

وقوله: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ ... (٨١) وفي بعض القراءات: (وما أنت تهدي العمي عن ضلالتهم)، هذا يدل أن ليس كل الهدى البيان على ما قالت المعتزلة؛ لأنه لو كان الهدى كله بيانًا في جميع المواضع على ما قالوا هم، لكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يقدر أن يبين للكفار عن ضلالتهم، وقد بين لهم، ثم أخبر رسوله: (وَمَا أَنْتَ بِهَادِي الْعُمْيِ عَنْ ضَلَالَتِهِمْ)، فدل هذا أن عند اللَّه هداية ولطفًا إذا سألوه وطلبوا منه ذلك وأعطاهم لاهتدوا به وآمنوا، فهذا ينقض على المعتزلة قولهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>