وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ ذُو الرَّحْمَةِ)، هذا يرد على الثنوية مذهبهم؛ لأنهم يقولون: إنه إنما - خلق الخلائق لمنافع نفسه؛ لأنه ليس بحكيم من فعل فعلا لا يقصد منفعة نفسه، فأخبر - عَزَّ وَجَلَّ - أنه غني بذاته، وإنما يقصد غيره المنفعة بفعله لحاجة تقع له، وضرورة تصيبه يقصد بالفعل، قصد قضاء الحاجة ودفع الضرورة عن نفسه.
فأما اللَّه - سبحانه وتعالى - فهو الغني بذاته، إنما خلق الخلائق لمنافع أنفسهم، وهو غني عن خلقه على ما أخبر.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَبُّكَ الْغَنِيُّ).
يحتمل: غني عن تعذيب أُولَئِكَ الكفرة، أي: لا لمنفعة له في تعذيبهم يعذبهم أو لحاجة له؛ ولكن الحكمة توجب ذلك. أو أن يكون صلة قوله:(يَا مَعْشَرَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ).
يقول: لم يرسل إليكم، ولا امتحنكم بالذي امتحنكم لحاجة نفسه أو لمنفعة له؛ إذ هو غني بذاته.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (ذُو الرَّحْمَةِ).
يحتمل وجهين:
يحتمل: ذو الرحمة فلا يعجل عليهم بالعقوبة.
والثاني: ذو الرحمة لما خلق الخلائق، وجعل لبعض ببعض الانتفاع بهم والاستمتاع، وإنما خلقهم لمنافع أنفسهم.
ويحتمل قوله:(ذُو الرَّحْمَةِ): مَنْ قَبِلَ رحمته صار أهلا لها، فأما من لم يقبل رحمته فإنه ذو انتقام منه.