أحدهما: أنهم تركوا طاعة رسلهم واتباعهم؛ لأنهم بشر مثلهم؛ ثم أطاعوا آباءهم واتبعوهم في عبادة الأصنام، وهم بشر مثلهم، حيث قالوا:(تُرِيدُونَ أَنْ تَصُدُّونَا عَمَّا كَانَ يَعْبُدُ آبَاؤُنَا) وفذلك تناقض في القول.
والثاني: أنهم لم يروا الرسل متبوعين؛ لأنهم بشر ثم لا يخلو هم بأنفسهم من أن يكونوا متبوعين استتبعوا غيرهم دونهم، أو كانوا أتباعًا لغيرهم؛ حيث قالوا:(إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ)، فذلك تناقض في القول.
(فَأْتُونَا بِسُلْطَانٍ مُبِينٍ).
سألوا الحجة على ما دعوا إليه من ألوهية اللَّه تعالى وربوبيته، أو على ما ادعوا من الرسالة من اللَّه، وفي كل شيء وقع عليه بصرهم دلالة وحدانية اللَّه وألوهيته، لكنهم سألوا ذلك سؤال تعنت وعناد، وكذلك قد أقاموا الحجج على ما ادعوا من الرسالة؛ لكنهم تعاندوا وكابروا في ردّ ذلك فسألوا سؤال آية وحجة؛ تضطرهم وتقهرهم على ذلك، أو يكون عند إتيانها هلاكهم؛ فأجابهم الرسل فقالوا:(وَمَا كَانَ لَنَا أَنْ نَأْتِيَكُمْ بِسُلْطَانٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ) أي: ما كان لنا أن نأتيكم بآية تكون بها هلاككم؛ إنما ذلك إلى اللَّه: إن شاء فعل؛ وإن شاء لم يفعل.
أي: ما نحن إلا بشر مثلكم، أولكن اللَّه يمن على من يشاء، في دلالة، رد قول الباطنية؛ لأنهم ينكرون كون الرسالة في جوهر البشرية؛ ويقولون: إنما تكون الرسالة في جوهر الروحانية؛ فهم - صلوات اللَّه عليهم وسلامه - إنما أجابوا قومهم؛ حيث قالوا لهم: ما أنتم إلا بشر مثلنا؛ وقولهم:(إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ) ولم يذكروا شيئًا سوى البشرية؛ فدل أن قول الباطنية باطل؛ حيث قالوا:(إِنْ نَحْنُ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُكُمْ).