وقال أَبُو عَوْسَجَةَ:(هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا)، أي: تنكرون منا.
وهو يرجع إلى واحد.
والنقم: هو العيب والطعن، والانتقام: هو الانتصار، ومعناه:(هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْنَا وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ)، أي: كيف تطعنون علينا وتعيبون، وأنتم ممن قد دعوتم إلى الإيمان باللَّه، والإيمان بما أنزل في الكتب، وأنتم ممن قد أوتيتم الكتاب، وفي كتابكم الإيمان باللَّه، والإيمان بالكتب كلها؛ فكيف تنكرون الإيمان بذلك كله، وتعيبون علينا، ولا تعيبون على أنفسكم بفسقكم وخروجكم عن أمر اللَّه تعالى، وعما أمركم كتابكم ودعاكم إليه، ونهاكم عما أنتم فيه؟!
(وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) وهو القرآن، وهو يصدق ما قبله من الكتب، (وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلُ) من الكتب المتقدمة من التوراة والزبور والإنجيل، وهي تصدق القرآن، بعضها يصدق بعضًا، فكيف تنكرون الإيمان به؟!
ذكر هذا - واللَّه أعلم - على أثر قوله:(هَلْ تَنْقِمُونَ مِنَّا إِلَّا أَنْ آمَنَّا بِاللَّهِ. . .) على أثر قوله: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا. . . .) الآية؛ وذلك أنهم كانوا يستهزئون بالمؤمنين ويضحكون منهم، ويطعنون في دينهم ويعيبون عليهم؛ فقال على أثر ذلك:(قُلْ) يا مُحَمَّد: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ)، أي: مما المؤمنون عليه (مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ) قالوا: من؛ قال اللَّه:(مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ وَجَعَلَ مِنْهُمُ الْقِرَدَةَ وَالْخَنَازِيرَ. . .) الآية؛ فمن كان هذا وصفه فهو شر مما عليه المؤمنون، وقد كان فيهم جميع ذلك مما غضب الله عليهم ولعنهم، أي: حول جوهرهم إلى أقبح جواهر في الطبع وأوخسها - وهي القردة والخنازير - بسوء صنيعهم.
أو يكون ذلك على أثر قول ما قالوا: ما ذكر في بعض القصة: " واللَّه ما نعلم من أهل دين أقل حظًّا في الدنيا والآخرة، من هَؤُلَاءِ "، يعنون: المؤمنين؛ لأنهم كانوا يَدَّعُون أن الدنيا والآخرة لهم، وليس لهَؤُلَاءِ لا دنيا ولا آخرة؛ فقال اللَّه - سبحانه وتعالى -: (قُلْ) يا مُحَمَّد: (هَلْ أُنَبِّئُكُمْ بِشَرٍّ مِنْ ذَلِكَ مَثُوبَةً عِنْدَ اللَّهِ)، أي: ثوابًا عند اللَّه، فقالوا: من هم؟ قال:(مَنْ لَعَنَهُ اللَّهُ وَغَضِبَ عَلَيْهِ)
والملعون هو المطرود عن الخيرات، وجعل من حول جوهره إلى جوهر القرد