للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أَحدهما: أَنه كأنهم طبعوا على أَخلاق البهائم والدواب.

وذلك أَن موسى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - من خدمة فرعون وآله، ونجاهم من الشدائد التي كانت عليهم، ولحوق الوعيد بهم، وأَراهم من الآيات العجيبة: من آية العصا، واليد البيضاءِ، وفَرق البحر، وإهلاك العدو فيه، وتفجير الأَنهار من حجر واحد، وغير ذلك من الآيات ما يكثر ذكرها، أَن لو كانت واحدة منها لكفتهم، ودلتهم على صدقه ونُبُوته.

ثم -مع ما أَراهم من الآيات- إذا فارقهم، دعاهم السامرى إلى عبادة العجل، واتخاذه إلهًا، كقوله: (هَذَا إِلَهُكُمْ وَإِلَهُ مُوسَى فَنَسِيَ)، فأجابوه إلى ذلك، وأَطاعوه.

وكان هارون - صلوات اللَّه على نبينا وعليه - فيهم، يقول: (يَا قَوْمِ إِنَّمَا فُتِنْتُمْ بِهِ وَإِنَّ رَبَّكُمُ الرَّحْمَنُ فَاتَّبِعُونِي وَأَطِيعُوا أَمْرِي)، فلم يجيبوه ولا صدقوه، ولا اكترثوا إليه، مع ما كان هارون من أَحب الناس إليهم.

فلولا أَنهم كانوا مطبوعين على أَخلاق البهائم والدواب، وإلا ما تركوا إجابته، ولا عبدوا العجل، مع ما أُروا من الآيات التي ذكرنا.

فإذا كان إلى هذا يرجع أَخلاقهم لم يبالوا ببذل أَنفسهم للقتل، واللَّه أَعلم، ونحو ذلك قوله: (قَالُوا يَا مُوسَى اجْعَلْ لَنَا إِلَهًا كَمَا لَهُمْ آلِهَةٌ).

وعلى ذلك جعلت آيات موسى كلها حسية لا عقلية؛ إذ عقولهم كادت تقصر عن فهم المحسوس ودركه، فضلًا عن المستدل عليه، واللَّه أعلم.

والثاني: يحتمل أَن أُروا ثواب صبرهم على القتل في الآخرة، وجزيل جزائهم، وكريم مآبهم؛ فهَانَ ذلك عليهم وخف.

كلما روى أن امرأَة فرعون لما علم فرعون -لعنه اللَّه- بعبادتها ربها، وطاعتها له، أَمر أَن تُعاقب بأشد العقوبات، فَفُعِل بها فضحكت في تلك الحال، لما أُريت مقامها في الجنة، وكريم مآبها؛ فهَان ذلك عليها وسهل.

فعلى ذلك يحتمل بذل هَؤُلَاءِ أَنفسهم للقتل، والصبر عليه لذلك، واللَّه أَعلم.

وقوله: (وَإِذْ قُلْتُمْ يَا مُوسَى لَنْ نُؤْمِنَ لَكَ حَتَّى نَرَى اللَّهَ جَهْرَةً (٥٥)

قَالَ بَعْضُهُمْ: قال الذين اختارهم موسى -وكانوا سبعين رجلًا- لن نُصدقك بالرسالة والتوراة حتى نرى اللَّه جهرة، يخبرنا أنه أَنزلها عليك.

<<  <  ج: ص:  >  >>