للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

الكفر؛ فظهر مراده بمقابله، وهو قوله (وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ).

والضر قد يكون في الدِّين والمال والنفس، ولكنه لما ذكر قوله: (رَشَدًا)، والرشد يتكلم به في الدِّين، علم أن قوله: (ضَرًّا) راجع إليه أيضا، فكأنه يقول: لا أملك إضلالكم، ولا رشدكم؛ إنما ذلك إلى اللَّه تعالى، يضل من يشاء، ويهدي من يشاء.

والمعتزلة تزعم أن اللَّه تعالى لا يملك رشد أحد ولا غيه، بل رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - أكثر ملكا منه؛ لأنه يملك أن يدعو الخلق إلى الهدى بنفسه، واللَّه تعالى لا يملك ذلك إلا برسوله.

وقال - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَيْسَ عَلَيْكَ هُدَاهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، وقال: (إِنَّكَ لَا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ)، ولو كان المراد من الهداية المضافة إلى اللَّه تعالى الدعوة والبيان، لكان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - يهديهم؛ لأنه داع ومبين؛ فثبت أن في الهداية من اللَّه تعالى لطفا لا يبلغه تدبير البشر.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (٢٢).

فكأنهم طلبوا منه ترك تبليغ الرسالة إلى قومٍ، أو كتمان شيء ما أمر بإظهاره، أو محاباة أحد من الأجلة، فأمر أن يخبرهم أنه لا يجيره أحد من اللَّه تعالى، ولا يجد لنفسه ملجأ إن فعل ذلك، سوى أن يبلغ رسالات ربه؛ فيجيره من عذابه؛ ويكون له عنده ملجأ؛ إن فعل.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ ... (٢٣).

فمنهم من جعل قوله: (إِلَّا بَلَاغًا مِنَ اللَّهِ وَرِسَالَاتِهِ) استثناء من قوله: قل إني لا أملك لكم ضرًّا ولا رشدا إلا بلاغا من اللَّه أي: إني لا أملك لكم هدايتكم ولا إضلالكم إلا ما كلفت لأجلكم من تبليغ الرسالة.

ومنهم من جعل هذا استثناء من قوله: (قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ) إن عدلت عن أمره، ولم أبلغ الرسالة؛ فلا يجيرني من عذابه إلا أن أبلغ الرسالة؛ قال اللَّه تعالى: (يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ)، وقال:

<<  <  ج: ص:  >  >>