للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

نقصان يقع فيهما أو زيادة وإن كان أحدهما يدخل في الآخر، دل على ما ذكرنا أنهما يجريان ويختلفان على شيء واحد وجريان واحد؛ أن فيهما تدبيرًا غير ذاتي وعلمًا أزليا وأنه واحد؛ إذ لو كان التدبير فيهما لعدد لكانا مختلفين ولا يجريان على قدر واحد من غير تفاوت فيهما أو نقصان أو زيادة، دل أنه واحد، وباللَّه التوفيق.

وفي ذلك دلالة وحدانية منشئهما وخالقهما؛ لأنه أنشأهما وبينهما من البعد ما بينهما من البعد، وجعل منافع أحدهما متصلة بمنافع الآخر على بعد ما بينهما، دل أن منشئهما واحد؛ إذ لو كان فعل عدد منع كل منهم فعله عن الوصول بالآخر على ما هو فعل ملوك الأرض.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِقَوْمٍ يَتَّقُونَ). مخالفة اللَّه ويتقون جميع الشرور والمساوي.

* * *

قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا وَالَّذِينَ هُمْ عَنْ آيَاتِنَا غَافِلُونَ (٧) أُولَئِكَ مَأْوَاهُمُ النَّارُ بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنَّ الَّذِينَ لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا).

قال قائلون: (لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) من الرجاء، أي: لا يرجون ما وعد للخلق من الثواب، ولا يرغبون فيما يرجى ويطمع من الرغائب.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: (لَا يَرْجُونَ لِقَاءَنَا) أي: لا يخافون لقاءنا، فما من خوف إلا وفيه رجاء، وما من رجاء إلا وفيه خوف؛ لأن الخوف الذي لا رجاء فيه هو يأس، والرجاء الذي لا خوف فيه أمنٌ، لكن الغالب في الحسنات والخيرات الرجاء وفيه خوف، والغالب في السيئات والشرور الخوف وفيه أدنى الرجاء، وهو ما ذكرنا في الشكر والصبر أنهما واحد؛ لأن الصبر هو كف النفس عن الشهوات واللذات، والشكر هو استعمالها في الخيرات، فإذا كفها عن الشهوات استعملها في الخيرات؛ لذلك قلنا: إنهما في الحقيقة واحد؛ ولأن الشكر هو القبول وكذلك الصبر أيضا، غير أن الشكر في قبول النعم والصبر في قبول البلايا والمصائب - واللَّه أعلم - يصير كأنه قال: إن الذين لا يؤمنون بالآخرة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَرَضُوا بِالْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاطْمَأَنُّوا بِهَا).

<<  <  ج: ص:  >  >>