وقيل - أيضا -: من أمر اللَّه: عذابه وأنواع البلايا إلى وقت إرادة اللَّه - تعالى - الوقوع.
وقوله - عَزَّ وجل -: (وَمِنْ شَرِّ حَاسِدٍ إِذَا حَسَدَ (٥) يخرج على وجهين:
أحدهما: إذا كان الحاسد دون المحسود، لا يقوى على الشر ليفعل به، والشر المتوهم منه يكون من شر عينه، وعمل الحسد إرادة زوال نعم المحسود وذهاب دولته.
وإنه جائز أن يكون اللَّه - عَزَّ وجل - بلطفه يجعل في بعض الأعيان عملا يتأدى بالنظر إلى ما يستحسنه من النعم إلى الزوال، ويؤثرون ذهاب الدولة عنه؛ فأمر بالتعوذ لهذا، وقد بينا لك المتولدات من الأفعال بما جعل اللَّه - تعالى - فيها من المضار والمنافع ما لا يبلغها علوم الخلق، بل لو أراد الخلق أن يعرفوا ما في البصر من الحكمة التي تدرك بفتح البصر ما بين السماء والأرض من غير كثير مهلة، لم يقدروا عليه.
وروى عمران بن حصين أن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - قال:" لا رقية إلا من عين أو حمة ".
وعن ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ -: " العين حق، فإن كان شيء يسبق القدر لسبقه العين ".
وفي خبر آخر:" لا شر في الهام، والعين حق ".
ويدل عليه في قصة إخوة يوسف - عليه السلام -: (وَقَالَ يَا بَنِيَّ لَا تَدْخُلُوا مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ وَادْخُلُوا مِنْ أَبْوَابٍ مُتَفَرِّقَةٍ).
وقد فسر قوم وجه عمل العين وكيفيته، لكنه أمر كعمل الشمس في العين نفسها فيما تبصر الشمس وتنظر إليها، فإنها تضره وتغلبه عن النظر على بعدها من العين بما جعل اللَّه - تعالى - وذلك من اللطف والحكمة، وكذلك عمل العين في المعيون.
والثاني: أن يكون بما حسد أن يبعث حسده على الحيل وأنواع ما به العين من السعي في الأمور التي بها الفساد على ضعفه في نفسه؛ قال اللَّه - تعالى - في صفة المنافقين:(يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ فَاحْذَرْهُمْ)، فمع ما بين من فشلهم وضعفهم، أمرهم بالحذر عنهم، وقال:(إِنَّ كَيْدَ الشَّيْطَانِ كَانَ ضَعِيفًا)، ثم أمر بالتعوذ من شره؛ فكذلك الحاسد، واللَّه أعلم بالصواب.