للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذا تفسير قوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا)؛ لأنه أخبر أنه: ليثبت الذين آمنوا؛ نذكر من زيادة الإيمان - هو التثبيت - الَّذِي ذكر هاهنا - قوله: (فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا)، وذكر قوله: (إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ) - مقابل قوله: (وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ)؛ ليعلم أن الزيادة التي ذكر في سورة التوبة - هي ما ذكر هاهنا من التثبيت والطمأنينة ونحوه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ).

أي: هدى من الجهالات والشبهات التي كانت تعرض لهم، أو من الضلالة، وبشرى للمسلمين. وقال: في آية أخرى: (وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ)؛ ليعلم أن الإيمان والإسلام واحد.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (١٠٣)

هم لم يقولوا إنما يعلمه بشر؛ ولكن كانوا ينصُّون واحدًا فلانا، لكن الخبر من الله على ذكر البشر؛ ألا ترى أنه أخبر أن (لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ).

دل أن البشر - الذي أخبر عنهم أنهم يقولون: إنه يعلمه - كان منصوصًا عليه مشارًا إليه؛ حيث قال: لسان هذا أعجمى، ولسان النبي عربي؛ فكيف فهم هذا عن هذا، وهذا من هذا، ولسان هذا غير لسان هذا؟! وما قاله أهل التأويل: أنه كان يجلس إلى غلام يقال له كذا، وهو يهودي يقرأ التوراة؛ فيستمع إلي قراءته، وكان يعلمه الإسلام حتى أسلم، فعند ذلك قالت له قريش: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)، ولو كان ما ذكروا أنه كان يعلمه الإسلام فأسلم؛ فلقائل أن يقول: كيف فهم ذلك الرجل منه لسان رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ولسانه غير لسانه؟! على ما أخبر؛ لكن يحتمل أن يكون ذلك في القرآن؛ حيث قالوا: (إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ)، ثم يقولون: (إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ)؛ فيقول - واللَّه أعلم -: إنه كيف علمه هذا القرآن، وهو لا يفهم من لسانه إلا يسيرًا منه؛ فأنتم لسانكم عربي لا تقدرون أن تأتوا بمثله، ولا بسورة من مثلها، ولا بآية؛ فكيف قدر على مثله من لا يفهم لسانه، ولا كان ذلك بلسانه؟! يخرج ذلك على الاحتجاج عليهم.

وبعد، فإن في قولهم ظاهر التناقض؛ لأنهم قالوا: (إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ)، ثم قالوا:

<<  <  ج: ص:  >  >>