للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واهتدى، لكنه لم يعطه لما ذكرنا.

وفيه لطف آخر: وهو أن فرعون والقبط كانوا يقتلون الولدان من الذكور؛ ليصير الذي يخاف هلاكه وذهاب ملكه على يديه مقتولا، فجعل اللَّه بلطفه ورحمته محبته في قلب فرعون وقلوب أهله، حتى صار أحب الخلق إليهم، وصاروا هم أشفق الناس وأرحمهم عليه، حتى خافوا هلاكه وطلبوا له المراضع؛ لئلا يهلك بعدما كانوا يطلبون هلاكه وتلفه، وذلك لطف منه له ورحمة، وهو ما قال: (وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِنِّي)، وبالله يستفاد كل فضل ونعمة.

وقوله: (فَقَالَتْ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ يَكْفُلُونَهُ لَكُمْ).

قوله: (فَقَالَتْ) أي: أخته التي كانت تتبعه وتمشي على أثره، وذلك منها تعريض بالدلالة لهم إلى أفه؛ لئلا يشعروا أنها أمه حيث قالت: (أَدُلُّكُمْ عَلَى أَهْلِ بَيْتٍ)، ولم تقل: على امرأة لها لبن وهي ترضع، ولعلها لو قالت لهم ذلك وقع عندهم أنها أمه، ولكن دلتهم إلى بيت ليقع عندهم أنهم أهل بيت قتل ولدهم ولهم ولد يكفلونه لكم، أي: يقبلونه ويضمونه إلى أنفسهم.

(وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ): يحتمل قولهم: (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) أي: لفرعون لا يخونونه فيه.

ويحتمل (وَهُمْ لَهُ نَاصِحُونَ) لموسى.

وقوله: (فَرَدَدْنَاهُ إِلَى أُمِّهِ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (١٣) بالمقام معه والكون عندها، (وَلَا تَحْزَنَ): على فراقه.

أو أن يقال: (كَيْ تَقَرَّ عَيْنُهَا وَلَا تَحْزَنَ)، أي: تسر برده إليها، وذلك معروف في النساء ظاهر أنهن يحزن بمفارقة أولادهن ويهممن لذلك، ويسررن إذا جعلوا إليهن واجتمعوا.

وقوله: (وَلِتَعْلَمَ أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ): كانت تعلم هي - واللَّه أعلم - أن وعد الله حق كائن لا محالة، لكن علم خبر لا علم عيان ومشاهدة؛ كأنه قال: لتعلم علم عيان ومشاهدة ما علمت علم خبر؛ لأن علم العيان والمشاهدة أكبر وأبلغ وأتقى للشبهة من علم الإخبار؛ ألا ترى أن إبراهيم سأل ربه أن يريه إحياء الموتى، وإن كان يعلم حقيقة أنه يحيي الموتى، وأنه قادر على ذلك، لكنه كان يعلمه علم خبر فأحب أن يعلمه علم عيان ومشاهدة؛ لأنه أكبر وأبلغ وأدفع للوساوس من علم الإخبار؟! فعلى ذلك هذا.

وقوله: (وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ): والمعتزلة فيهم؛ لأنه أخبر أنه يملأ جهنم من الجنة والناس أجمعين؛ حيث قال: (لَأَمْلَأَنَّ جَهَنَّمَ)، وهم يقولون: أراد ألَّا يملأ جهنم؛ لأنهم يقولون: إنه أراد إيمان كل الناس جميعًا وشاء ذلك لهم فلم يؤمنوا، فعلى

<<  <  ج: ص:  >  >>