للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

القريات قلبت بمن فيها ظهرا لبطن على ما ذكر في آية أخرى: (فَجَعَلْنَا عَالِيَهَا سَافِلَهَا) - أرسل الحاصب على من غاب عنها في البلدان فأهلكهم بها، يخرج على الإضمار، كأنه قال: قلبناها بمن فيها، وأرسلنا على من غاب عنها حاصبا إلا آل لوط؛ حتى يستقيم الثنيا الذي استثنى، ويكون كقوله: (أُحِلَّتْ لَكُمْ بَهِيمَةُ الْأَنْعَامِ إِلَّا مَا يُتْلَى عَلَيْكُمْ غَيْرَ مُحِلِّي الصَّيْدِ)، كأنه قال: أحلت لكم بهيمة الأنعام والصيد إلا ما يتلى عليكم غير محلي الصيد، واللَّه أعلم.

وعلى تأويل من يقول بأنها قلبت، ثم أرسل عليها الحاصب، فالثنيا مستقيم؛ فيكون هلاكهم بأمرين، واستثنى آل لوط بالنجاة منهما جميعا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَجَّيْنَاهُمْ بِسَحَرٍ (٣٤) نِعْمَةً مِنْ عِنْدِنَا) أي: منعنا عنهم العذاب عند السحر؛ فيكون فيه دلالة: أنه يكون بمنع العذاب عنهم منجيا لهم، وإلا لم يكن بنجاتهم عند السحر منعمًا.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ (٣٥) هذا يخرج على وجهين:

أحدهما: يكون هلاك أُولَئِكَ على لوط وآله نعمة من اللَّه تعالى عليهم؛ فيكون عليه شكره؛ فهو جزاء شكرهم، وهو كقوله تعالى: (جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ)، يحتمل أن يكون هلاك أُولَئِكَ وإغراقهم جزاء ما كفر بنوح، وذلك نعمة منه على نوح، - عليه السلام -.

والثاني: أن تكون نجاة نوح ومن كان معه نعمة منه عليهم؛ إذ له أن يهلك الكل من كفر ومن لم يكفر؛ ألا ترى أنه يهلك الدواب والصغار، وإن لم يكن لهم مآثم، فإذا كان كذلك كان إبقاء من أبقى منهم فضلا منه ونعمة عليهم، وإلا لا كل كفر استوجب النجاة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ - (وَلَقَدْ أَنْذَرَهُمْ بَطْشَتَنَا فَتَمَارَوْا بِالنُّذُرِ (٣٦) يخرج على الوجهين اللذين ذكرناهما.

أحدهما: تماروا بالواقع من النذارة.

والثاني: (بِالنُّذُرِ)، أي: الرسل، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَلَقَدْ رَاوَدُوهُ عَنْ ضَيْفِهِ فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ (٣٧) أي: طلبوا منه التخلية بينهم وبين ضيفه.

وقوله: (فَطَمَسْنَا أَعْيُنَهُمْ)، ذكر أن جبريل - عليه السلام - مسح جناحيه على أعينهم فعموا، ثم قيل لهم: (فَذُوقُوا عَذَابِي وَنُذُرِ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَقَدْ صَبَّحَهُمْ بُكْرَةً عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ (٣٨) أي: نزل بهم صباحا بالبكرة (عَذَابٌ مُسْتَقِرٌّ) العذاب المستقر: هو العذاب الذي نزل بهم، ودام عليهم؛ وأهلكهم وأما طمس الأعين، فقد انقضى.

<<  <  ج: ص:  >  >>