للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كانوا يحرمون الانتفاع بما ذكرنا، ويقولون: إن اللَّه حرم ذلك علينا، وهو ما ذكر في آية أخرى قوله - تعالى -: (وَجَعَلُوا لِلَّهِ مِمَّا ذَرَأَ مِنَ الْحَرْثِ وَالْأَنْعَامِ نَصِيبًا فَقَالُوا هَذَا لِلَّهِ بِزَعْمِهِمْ وَهَذَا لِشُرَكَائِنَا) الآية، يحرمون أشياء على أنفسهم، ويضيفون تحريمها إلى اللَّه، ثم سفه أحلامهم بقوله: (ثَمَانِيَةَ أَزْوَاجٍ مِنَ الضَّأْنِ اثْنَيْنِ وَمِنَ الْمَعْزِ اثْنَيْنِ قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ أَمَّا اشْتَمَلَتْ عَلَيْهِ أَرْحَامُ الْأُنْثَيَيْنِ)، لم يكن تحريمهم هذه الأشياء بالسمع، ولكن رأيًا منهم وتبحثًا؛ فاحتج اللَّه عليهم على ذلك الوجه؛ ليظهر فساد قولهم من الوجه الذي ادعوا، فقال: (قُلْ آلذَّكَرَيْنِ حَرَّمَ أَمِ الْأُنْثَيَيْنِ) فإن قالوا: الذكرين، فقد كان من الذكر ما لم يحرم، وإن قالوا: أنثى، فقد كان من الأنثى ولم يكن فيها تحريم؛ ففيه دليل أن الحكم إذا كان بعلة يجب وجوب ذلك الحكم ما كانت تلك العلة قائمة، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا إِلَى مَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَإِلَى الرَّسُولِ قَالُوا حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا ... (١٠٤) الآية، كأنها نزلت في مشركي العرب، وكانوا أهل تقليد، لا يؤمنون بالرسل، ولا يقرون بهم، إنما يقلدون آباءهم في عبادة الأوثان والأصنام، فإذا ما دعاهم رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى ما أنزل اللَّه إليه، أو دعاهم أحد إلى ذلك، قالوا: (حَسْبُنَا مَا وَجَدْنَا عَلَيْهِ آبَاءَنَا)، كقوله: (إِنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ وَإِنَّا عَلَى آثَارِهِمْ مُقْتَدُونَ) ونحو ذلك: يقلدون آباءهم في ذلك؛ فقال اللَّه - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَوَلَوْ كَانَ آبَاؤُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا وَلَا يَهْتَدُونَ)، أي: تتبعون آباءكم وتقتدون بهم، وإن كنتم تعلمون أن آباءكم لا يعلمون شيئًا في أمر الدِّين ولا يهتدون، وكذلك قوله: (قَالَ أَوَلَوْ جِئْتُكُمْ بِأَهْدَى مِمَّا وَجَدْتُمْ عَلَيْهِ آبَاءَكُمْ) تتبعون آباءكم وتقتدون بهم، وإن جنتكم بأهدى مما كان عليه آباؤكم؛ يسفههم في أحلامهم في تقليدهم آباءهم، وإن ظهر عندهم أنهم على ضلال وباطل.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا عَلَيْكُمْ أَنْفُسَكُمْ لَا يَضُرُّكُمْ مَنْ ضَلَّ إِذَا اهْتَدَيْتُمْ ... (١٠٥)

<<  <  ج: ص:  >  >>