صير خلقهم على غير رجوع إليه عبثًا.
أو يكون محاجته في تسفيهه إياه في عبادته غير اللَّه، يقول: أكفرت نعمة الذي خلق أصلك من تراب، وخلق نفسك من نطفة، ثم سواك صحيحًا، فصرفت شكر نعمه إلى غيره، وعبدت غيره على هذه الوجوه الثلاثة.
ويحتمل محاجته إياه إما في إنكار قدرته في بعثه وإعادته، أو إنكاره الحكمة في البعث، أو في إنكاره نعمه وصرفه الشكر إلى غيره، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَكِنَّا هُوَ اللَّهُ رَبِّي وَلَا أُشْرِكُ بِرَبِّي أَحَدًا (٣٨)
كأنه قال: لكن الذي خلق أصلك من تراب، وخلق أصلك من نطفة هو ربي، ولا أشرك بربي أحدًا.
وقال الخليل: (لَكِنَّا) إنما هو على تأويل: لكني أنا أقول هو اللَّه ربي؛ كقوله: (إِنِّي أَنَا أَخُوكَ) إنهم حين ألقوا الألف من (أنا) أثبتوها بعد النون، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَلَوْلَا إِذْ دَخَلْتَ جَنَّتَكَ ... (٣٩) نظرت إلى ما أنعم اللَّه عليك وقمت بشكره دون أن اشتغلت بازدرائي، ونظرت إلى قلة ذات حالي ويدي، واشتغلت بالافتخار على، وكذلدُ قال: (إِنْ تَرَنِ أَنَا أَقَلَّ مِنْكَ مَالًا وَوَلَدًا).
ثم ذكر طمعه ورجاءه على ربه وخوفه؛ حيث قال: (فَعَسَى رَبِّي أَنْ يُؤْتِيَنِ خَيْرًا مِنْ جَنَّتِكَ وَيُرْسِلَ عَلَيْهَا حُسْبَانًا مِنَ السَّمَاءِ فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا (٤٠)
ويرسل على جنتك حسبانا من السماء.
قال أهل التأويل: الحسبان: العذاب، إلا أن أبا بكر الأصم قال: عذابا على حساب ما عملوا، وذلك جزاؤه في الكفرة، وهو ما ذكر في الجنتين اللتين أهلكهما؛ حيث قال: (ذَوَاتَيْ أُكُلٍ. . .)، إلى قوله: (ذَلِكَ جَرينَاهُم. . .) الآية.
وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: (حُسْبَانًا) أي: عذابًا زاده على حساب ما عملوا، وذلك جزاؤه في الكفرة، وهو ما ذكر في الجنتين اللتين له، والحسبان: الصغار من النبل، والحسبانة واحدة، والحسبان جمع، والأول عذاب.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَتُصْبِحَ صَعِيدًا زَلَقًا).
قال أَبُو عَوْسَجَةَ (صَعِيدًا زَلَقًا): الذي ليس عليه نبت، و (زَلَقًا)، أي: تسوية.
وقَالَ الْقُتَبِيُّ: الصعيد: الأملس المستوي، والزلق: الذي يزول عنه الأقدام.