وقال أبو معاذ:(وَلَهُمْ مَا يَدَّعُونَ) أي: ما يشتهون ويتمنون في الجنة، واللَّه أعلم.
وقوله:(سَلَامٌ قَوْلًا مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ (٥٨)
هذا يحتمل وجهين:
أحدهما: يردون إليهم - أعني: الملائكة - سلام اللَّه بحق التبليغ إليهم سلام اللَّه نحو ما يبلغ بعضهم بعضًا سلام بعض: أقرئ فلانًا مني السلام؛ فعلى ذلك يقولون: إن اللَّه قد أقرأ عليكم السلام.
والثاني: أن يسلم عليهم الملائكة بأمر ربهم، يدخلون عليهم من كل باب: سلام عليكم بما صبرتم.
والثالث: أن يكون القول من اللَّه وعدا بالسلامة لهم فيها من كل آفة وبلاء يكون شي الدنيا؛ كقوله:(ادْخُلُوهَا بِسَلَامٍ آمِنِينَ)، ونحوه.
وفي حرف أبيّ وابن مسعود:(سلامًا قولًا) بالنصب، فهو - واللَّه أعلم - كأنهما يجعلان تمام الكلام في قوله:(يَدَّعُونَ) ثم يقطع (سلامًا قولا) منه، وأمَّا قراءة هَؤُلَاءِ برفع السلام، فمعناها - واللَّه أعلم -: ولهم ما يدعون سلامًا، ثم الكلام قطع (قَولًا) منه.
كأن أهل الجنة وأهل النار يكونون مختلطين، فيفرق هَؤُلَاءِ؛ لأنهم يكونون في الابتداء مجموعين، وكذلك سمي: يوم الجمع، ويوم الحشر، ثم يفرق بينهم؛ كقوله:(فَرِيقٌ فِي الْجَنَّةِ وَفَرِيقٌ فِي السَّعِيرِ)، وسمي: يوم الفصل.
وأصل قوله:(وَامْتَازُوا الْيَوْمَ) ليس على الأمر في الحقيقة: أن افترقوا، ولكن على حقيقة التفريق على ما ذكر في آية أخرى:(لِيَمِيزَ اللَّهُ الْخَبِيثَ مِنَ الطَّيِّبِ)، وأصل الامتياز: الافتراق والاعتزال؛ وبه يقول أَبُو عَوْسَجَةَ والْقُتَبِيّ: إن الامتياز هو التفرق والتنحي.