للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وقَالَ بَعْضُهُمْ: سمي القران: فرقانا؛ لأنه أنزل بالتفاريق مفرقا، وسائر الكتب أنزلت مجموعة، لكن الوجه فيه ما ذكرنا بدءًا، وهو أقرب وأشبه.

وقوله: (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا): جائز أن يكون قوله: (لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا)، أي: القرآن الذي أنزله على عبده يكون نذيرًا لمن ذكر.

ويحتمل قوله: (لِيَكُونَ لِلْعَالَمِينَ نَذِيرًا) أي: ليكون مُحَمَّد بالقرآن الذي أنزل عليه نذيرًا؛ كقوله: (وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خَلَا فِيهَا نَذِيرٌ)؛ وكقوله: (وَأُوحِيَ إِلَيَّ هَذَا الْقُرْآنُ لِأُنْذِرَكُمْ بِهِ وَمَنْ بَلَغَ)، أي: من بلغه القرآن من الخلق فرسول اللَّه نذيره.

ثم قوله: (لِلْعَالَمِينَ) جائز أن يراد به الإنس والجن.

ثم ذكر النذارة فيه ولم يذكر البشارة، فإن كان على هذا فهو حجة لأبي حنيفة - رحمه اللَّه - أن ليس للجن ثواب إذا أسلموا سوى النجاة من العقاب، ولهم عقاب بالإجرام؛ لأن اللَّه - تعالى - لم يذكر لهم الثواب في الكتاب، وذكر لهم العقاب بالعصيان؛ حيث قال: (يَا قَوْمَنَا أَجِيبُوا دَاعِيَ اللَّهِ وَآمِنُوا بِهِ يَغْفِرْ لَكُمْ. . .) الآية، جعل ثوابهم نجاتهم من عذاب أليم.

وجائز أن يكون في النذارة بشارة -أيضًا- ما كان وما يكون إلى يوم القيامة؛ لأنهم إذا اتقوا مخالفة اللَّه ومعاصيه كانت لهم العاقبة، فلهم بشارة في ذلك ونذارة؛ كقوله: (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا).

وقوله: (الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ... (٢) جائز أن يكون قوله: (لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ) وصلة قوله: (تَبَارَكَ الَّذِي نَزَّلَ الْفُرْفَانَ)، ووجهه - واللَّه أعلم - أي: تعالى عن أن يكون النذير الذي بعثه فيهم، إنما بعثه لحاجة نفسه لجر منفعة إليه، أو لدفع مضرة عنه على بعث ملوك الأرض من الرسل لحوائج أنفسهم: لجر النفع إليهم، أو لدفع مضرة عنهم، ولكن إنما يبعث النذير والبشير إلى الخلق لمنافع أنفسهم؛ إذ لا يحتمل أن يكون من له ملك السماوات والأرض أن يبعث النذير والبشير لمنافع نفسه ولحاجته؛ لغناه، وأما ملوك الأرض لا يملكون ذلك؛ فلذلك ما يرسلون ويبعثون من الرسل إنما يبعثون ويرسلون لمنافع أنفسهم وحوائجهم؛ لدفع مضرة أو جر منفعة.

وجائز أن يكون قوله: (تَبَارَكَ) أي: تعالى عن أن يتخذ ولدا أو شريكًا في الملك على ما نسبوا إليه من الولد والشريك، فقال: تعالى عن أن يكون له الولد أو الشريك؛ إذ له ملك السماوات والأرض، فالولد في الشاهد إنما يتخذ لإحدى خلال ثلاث؛ وقد ذكرناها.

<<  <  ج: ص:  >  >>