قال أبو بكر الكيساني: قوله: (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا أُولَئِكَ): ليس من جنس ما ذكر من قوله: (آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)؛ لكنه صلة قوله:(يَا بَنِي آدَمَ إِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَقُصُّونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِي فَمَنِ اتَّقَى وَأَصْلَحَ)، يقول فيما تقدم ذكره:(لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا).
وأما عندنا: فإنه يستقيم أن يجعل صلة ما تقدم، أي: لا نكلف نفسًا من الأعمال الصالحات إلا وسعها، بل نكلفها دون وسعها ودون طاقتها (أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ).
وقال الحسن: قوله: (لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا): إلا ما يسع ويحتمل، وهو صلة قوله:(وَإِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً قَالُوا وَجَدْنَا عَلَيْهَا آبَاءَنَا)، يقول: لا يكلف نفسًا إلا ما يسع ويحتمل، لا ما لا يسع ولا يحتمل.
وقيل: الغل والغش واحد، وهو ما يضمر بعضهم لبعض من العداوة والحقد.
وقيل: الغل: الحقد.
ثم اختلف فيه:
قَالَ بَعْضُهُمْ: قوله: (وَنَزَعْنَا مَا فِي صُدُورِهِمْ مِنْ غِلٍّ): في الدنيا، ينزع اللَّه - عز وجل - من قلوبهم الغل، يعني: من قلوب المؤمين، ويجعلهم إخوانًا بالإيمان؛ كقوله:(إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانً) الآية، أخبر أنهم كانوا أعداء (فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ) بالإيمان الذي أكرمهم به؛ حتى صاروا إخوانا بعد ما كانوا أعداء.
قال الحسن: ليس في قلوب أهل الجنة الغل والحسد؛ إذ هما يهمان ويحزنان؛ إنما فيها الحب.