للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والحجج فهو في العقول أحسن من الذي لا برهان عليه، وكذلك كل عمل يستحق صاحبه عليه الثواب فهو في العقول مستحسن، وما يستحق صاحبه عليه العقاب فهو في العقول مستقبح؛ فلم يستويا.

وأما الوجه الثاني: لا يستوي جزاء أهل النار وجزاء الجنة؛ إذ في الجنة النعيم الدائم، وفي النار الشدة والنقمة الدائمة؛ فلم يستويا، يذكر اللَّه - تعالى - هذا؛ لينتهوا عن غفلتهم، ويعملوا لله - تعالى - حتى يستوجبوا بها الثواب في الآخرة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الْأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ (٢١).

اختلف الناس في تأويل هذه الآية: قَالَ بَعْضُهُمْ: هي التمثيل، وهي على التنبيه والتذكير، وذهبوا في ذلك إلى أن العرب إذا استقبلهم أمر، وأرادوا أن يصفوه بالعظم والشدة كانوا يضربون الأمثال بما يعظم ذلك عندهم وصفه - لم يكن يريدون به الحقيقة في ذلك، وهو كقولهم عند شدة الأمر: أظلم عليَّ ما بين السماء والأرض، وكقولهم: ضاقت علي الأرض برحبها، وكما وصف اللَّه - تعالى - من أمر لوط - عليه السلام -: (وَضَاقَ بِهِمْ ذَرْعًا). فهذا القول من العرب إنما كان على التمثيل فيما يريدون أن يصفوا الشيء بغايتة لا على الحقيقة؛ لأنه معلوم أن الدنيا عليه كما كانت لم تتغير، وكذلك لم يظلم عليه ذلك، لكنهم تكلموا على التمثيل من شدة ما نزل بهم من الأمر، وكذلك قوله - تعالى -: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ. . .)، يقول: لو كانت هذه الحجج أنزلت على جبل مع صلابته وشدته، لخضع لله - تعالى - وانصدع؛ من خشيته على وجه التمثيل، لكن قلوب هَؤُلَاءِ أقسى منه؛ حيث لم تخضع ولم تخشع، وهو كقوله: (كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدُّ قَسْوَةً)؛ إذ الحجارة قد تكون فيها منافع: نحو خروج الماء وغيره، فأما قلوب هَؤُلَاءِ الكفرة فليس فيها شيء من المنافع، بل هي قاسية لا تخشع ولا تتصدع، وعلى ذلك حملوا تأويل قوله - تعالى -: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ)، على التمثيل، ليس على حقيقة ذلك.

وقال قائلون: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ): إنه حقيقة ذلك الفعل منه: وهو الانصداع والخشوع، وكذلك تأويل قوله: (تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ)، فمعناه: لو كان نزول هذا القرآن وما فيه من الأحكام والأمانات التي أوجب على البشر

<<  <  ج: ص:  >  >>