للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

ويحتمل قوله: (إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ) لما رأوه أحسن إلى أهل السجن، ويحتمل الإحسان - هاهنا -: العلم؛ أي: نراك من العالمين؛ وهو قول الفراء.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ).

سمى التعبير: تأويلا؛ لأن التأويل: هو الإخبار عن العواقب؛ لذلك سموه تأويلا، ثم خرج تأويل الذي كان يعصر الخمر على العود إلى ما كان في أمره؛ من السقي للملك؛ وهو كان ساقيه؛ على ما ذكر، فلما رأى أنه دام على أمره، أول له بالعود إلى أمره الذي كان فيه. والآخر كان خبازًا؛ على ما ذكر، وهو إنما كان يخبز للناس، فلما رأى أنه حمل الخبز على رأسه، وأنه يأكل الطير - علم أنه يخرج من الأمر الذي كان فيه، وخروجه يكون بهلاكه؛ لأنه كان من قبل يخبز للناس، فصار يخبز لغيرهم؛ فاستدل بذلك على خروجه من أمره وعمله، لكنه أخبر أنه يصلب؛ لأنه كان قائمًا منتصبًا، فأول على ماى ن أمره. واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (٣٧) هذا - واللَّه أعلم - كان يقول لهم ذلك؛ ليعرفهم أن عنده علم ذلك؛ علم ما لا يُحتاج إليه؛ فعلم ما يحتاج إليه أحرى أن يعلم ذلك، وهذا - واللَّه أعلم - منه احتيال؛ لينزعهم عما هم فيه من عبادة الأوثان، وعبادتهم غير اللَّه، وليرغبهم في توحيد اللَّه، وصرف العبادة إليه؛ ولهذا قال:

(ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي)

هذا باللطف ما أضاف إليه أنه علمه، وإلا التعليم لا يكون إلا باختلاف الملائكة إليه، وذلك لطف من اللَّه تعالى للرسل عليهم السلام.

وقوله: (لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا).

تأويله - واللَّه أعلم - أي: لا يأتيكما طعام رأيتما آثار ذلك في المنام إلا نبأتكما بتأويل ذلك قبل أن يأتي ذلك.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ).

أخبر أنه ترك: (مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ. . .) الآية.

وقوله: (تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ) ليس أنه كان فيه ثم تركه، ولكن تركه ابتداء؛ ما لو لم يكن تركه كان آخذا بغيره؛ وهو كقوله: (رَفَعَ السَّمَاوَاتِ)، ليس أنها كانت موضوعة فرفعها، ولكن رفعها أول ما خلقها. وكذلك قوله: (وَالْأَرْضَ وَضَعَهَا)

<<  <  ج: ص:  >  >>