للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وَحَفَدَةً ... (٧٢)

قال الحسن وغيره: الحفدة: الخدم والمماليك، فهو على التقديم، على تأويل هَؤُلَاءِ، يقول: جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وخدمًا من جنسكم؛ لأنه ذكر فيما تقدم: (وَاللَّهُ فَضَّلَ بَعْضَكُمْ عَلَى بَعْضٍ فِي الرِّزْقِ. . .) الآية، يذكرهم نعمه وفضله الذي ذكر أنه جعل لكم من جنسكم أزواجًا وخدمًا تحت أيديهم، يستمتعون بالأزواج، ويستخدمون الخدم والمماليك، وهم من جنسهم وجوهرهم، يذكرهم فضله ومننه عليهم.

أو يشبه أن يكون هذا صلة قوله: (وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِالْأُنْثَى ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا. . .) الآية، كانوا يأنفون عن البنات، ويدفنونهن أحياء إذا ولدن أنفا منهن، يقول - واللَّه أعلم -: كيف تأنفون منهن وقد جعل لكم من البنات أزواجًا تستمتعون بهن حتى لا تصبروا عنهن، وكذلك جعل لكم من البنات والبنين الذين ترغب أنفسكم فيهم ما لولا البنات لم تكن لكم الأزواج التي تستمتعون بهن، ولم يكن لكم البنون الذين ترغبون فيهم، والأنصار والأعوان والخدم الذين ترغبون فيهم، يبين ويذكر تناقضهم في الأنفة منهن يأنفون منهن، ومن البنات يكون ما يرغبون فيهم؛ فهذا يدل أن النساء يصرن كالملك للأزواج، ويصرن تحت أيديهم في حق ملك الاستمتاع، كالمماليك في حق ملك الرقاب، ثم جعل - عَزَّ وَجَلَّ - التناسل في الخلق على التفاريق، وتقلبهم من حال إلى حال، وتنقلهم أبدًا كذلك ليكون أذكر لتدبيره، وأنظر في آياته ودلالاته، ولو شاء لأنشأ الخلق كله بمرة واحدة، وأفناهم بدفعة واحدة، وكذلك ما جعل لهم من الأرزاق وأنواع النبات، لو شاء لأخرج لهم ذلك كله بمرة واحدة في وقت واحد، لكنه أنشأ لهم بالتفاريق ليذكرهم النظر في آياته وتدبيره، ليكون ذلك لهم أدعى إلى المرغوب، وأحذر للمرهوب، وكذلك ما ردد من الأنباء والقصص، والمواعيد، وذكر الجنة والنار في القرآن في غير موضع ليبعثهم ويحثهم على النظر في آياته وتدبيره، ويركبهم في كل وقت في المرغوب، ويحذرهم عن المحذور والمرهوب، ثم قوله: (جَعَلَ لَكُمْ مِنْ أَنْفُسِكُمْ أَزْوَاجًا) وقال في آية أخرى: (قُوا أَنْفُسَكُمْ)، وقال: (وَلَا تَقْتُلُوَا أَنْفُسَكُمْ)، ونحوه، ذكر الأنفس في هذا كله، ثم لم يفهم أهل الخطاب من هذا كله معنى واحدًا وشيئًا واحدًا، وإن كان في حق اللسان واللغة واحدا لكنهم فهموا في كل

<<  <  ج: ص:  >  >>