ثم الأصل أن الساحر يفرق بين الاثنين، ويعمل سحره في التفريق على وجه لا يوقف على سبب التفريق، وكان سبب تفريق رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - ظاهرا؛ لأنه كان يأتيهم بالحجج؛ فيعلم من أمعن النظر فيها صدّقه فيما يدعي من الرسالة فيؤمن به، ومن ترك النظر فيها، ولم يعط من نفسه النصفة ترك الإيمان به؛ فبطل أن يكون تفريقه كتفريق السحر.
ولأن كلاًّ منهم لو تفكر فيما جاء به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأمعن النظر فيه، حمله ذلك على الإيمان به، والتصديق لرسالته؛ فيصير الذي جاء به مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سبب الاجتماع والألفة، لا أن يكون سبب التفريق بين الأحبة.
ثم الأصل أن الساحر بغيته وقصده من سحره نيل الجاه عند العظماء والرؤساء واستفادة السعة في الدنيا، ورسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، لم يكن يطلب بما أتى به الجاه عند الرؤساء، بل عاداهم، وأظهر الخلاف لهم، فدعا الخلق إلى الزهادة في الدنيا لا إلى الاستكثار منها، فكيف يجوز أن ينسب إلى السحر، وقد أتى بما يضاد فعل السحرة؟.
يحتمل: أي: لا تبقي له حياة يتلذذ بها، ولا تذره يهلك فيستريح، بل يبقى أبدا في الهلاك، كما قال تعالى:(فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَى).
ويحتمل: لا تبقي له جلدا ولا لحما ولا عظما، بل تنضج جلده وتأكل لحمه، وتكسر عظمه، ولا تذره على تلك الحال كسير العظم، مأكول اللحم، نضيج الجلد، بل يعاد