وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَاصْبِرْ فَإِنَّ اللَّهَ لَا يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ (١١٥) ظاهر ما ذكر من الكلام أن يقول: فإن اللَّه لا يضيع أجر الصابرين؛ لأنه ذكر الصبر بقوله:(وَاصْبِرْ)، لكن يحتمل قوله:(وَاصْبِرْ) عن الشرور كلها وأحسن، فإن اللَّه لا يضيع أجر المحسنين؛ بل يجزيهم جزاء إحسانهم.
أو يقول: اصبر على أداء ما كلفت من الطاعات، أو تبليغ ما كلفت التبليغ إليهم.
ويحتمل وجهًا آخر: اصبر على أذاهم ولا تكافئهم فإذا لم تكافئهم، فقد أحسنت إليهم، فإن اللَّه لا يضيع أجر المحسنين، أو يقول هو له:(إِنَّ الْحَسَنَاتِ) واللَّه أعلم.
قال أَبُو عَوْسَجَةَ: قوله: (وَزُلَفًا مِنَ اللَّيْلِ): ساعات من الليل. وقال: الزلفة: المرحلة، والزلفة: القربة؛ كقوله:(وَإِنَّ لَهُ عِنْدَنَا لَزُلْفَى) أي: لقربة.
وقال أبو عبيدة: الزلف: جمع زلفة، وهي الساعة، وهي المنزلة على ما قلناه.
وقوله - تعالى -: (فَلَوْلَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّةٍ يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلَّا قَلِيلًا) وظاهر هذا يخرج على المعاتبة أو التنبيه والتذكير؛ لأنه يقول:(فَلَولَا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ) أي: لم لا كانوا كذا؟ فليس ثم من أُولَئِكَ من يعاتب أو ينبه، لكنها تخرج على وجهين: