للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يشبه أن يكون هذه النعمة؛ نعمة الدِّين من رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، أو القرآن، أو ما كان في أمر الدِّين؛ لا يغير ذلك عليهم إلا بتغيير يكون منهم؛ كقوله: (ثُمَّ انْصَرَفُوا صَرَفَ اللَّهُ قُلُوبَهُمْ)؛ وكقوله: (فَلَمَّا زَاغُوا أَزَاغَ اللَّهُ قُلُوبَهُم).

ويحتمل أن يكون ذلك في النعمة الدنياوية؛ من الصحة والسلامة والمال، لا يغير ذلك عليهم إلا بتغيير ذلك من أنفسهم.

فَإِنْ قِيلَ: إن الأنبياء قد كانوا بلوا بشدائد وبلايا؛ ولا يحتمل أن يكون ذلك منهم البداية في التغيير.

قيل: أبدلت لهم مكان تلك النعمة خيرًا منها فليس ذلك بتغيير؛ ولكن لما ذكرنا أنه أبدلت لهم مكان النعمة نعمة هي خير منها.

ثم ما كان من النعم؛ والأفضال من الطاعات لها حق التجدد والحدوث؛ يكون التغيير عليهم حالة اختيارهم؛ وتغييرهم على أنفسهم، وأما الأفعال التي لها حق البقاء؛ يكون التغيير من اللَّه من بعد؛ وهو من نحو السلامة والصحة والسعة، والذي له حق التجدد والحدوث الطاعات [والمعاصي].

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا فَلَا مَرَدَّ لَهُ).

الآية ترد على المعتزلة قولهم؛ لأنهم يقولون: إنه لا يريد إلا ما هو أصلح لهم في الدِّين، وقد أخبر أنه إذا أراد بهم سوءًا؛ (فَلَا مَرَدَّ لَهُ. . .) الآية.

دل هذا أنه قد يريد بهم السوء إذا غيروا هم ما أنعم اللَّه عليهم، أراد أن يغير عليهم والمعتزلة يقولون يملك الخلق دفع سوء إرادة اللَّه بهم، وإذا أراد الخير يملكون رد ذلك، واللَّه يقول: (فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ)، ولا مردّ لسوئه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ).

أي: ليس لهم في دفع العذاب الذي أراد بهم ولي يدفع عنهم أو نصير ينصرهم؛ كقوله (وَمَا لَكُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلَا نَصِيرٍ).

* * *

قوله تعالى: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ (١٢) وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ وَالْمَلَائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ (١٣) لَهُ دَعْوَةُ الْحَقِّ وَالَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِهِ لَا يَسْتَجِيبُونَ لَهُمْ بِشَيْءٍ إِلَّا كَبَاسِطِ كَفَّيْهِ إِلَى الْمَاءِ لِيَبْلُغَ فَاهُ وَمَا هُوَ بِبَالِغِهِ وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلَّا فِي ضَلَالٍ (١٤) وَلِلَّهِ يَسْجُدُ مَنْ فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ طَوْعًا وَكَرْهًا وَظِلَالُهُمْ بِالْغُدُوِّ وَالْآصَالِ (١٥)

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا).

<<  <  ج: ص:  >  >>