للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

ثالثًا: الماتريدية

أسس هذا المذهب العلامة مُحَمَّد بن مُحَمَّد بن محمود أبو منصور الماتريدي مصنف هذا الكتاب الذي نحن بصدد تحقيقه، وقد سبقت ترجمتنا له.

وقد كان الماتريدي مشهورًا بالاعتدال والتوسط حتى اتفق الناس على علو قدره وتميز منزلته، حتى قيل: لو لم يكن في الحنفية إلا هذا الإمام لكفاهم.

وكنا قد أشرنا إلى أن الماتريدي كان أحد اثنين قاما بالذود عن عقيدة أهل السنة، وتفنيد آراء المعتزلة المخالفة لها.

ومن الحق أن نقرر أن الماتريدي اتخذ منهجًا امتاز بالوسطية والاعتدال، على نحو ما صنع معاصره أبو الحسن الأشعري، فاحتلت شخصيته مكانة تليق به كواحد من أفاضل علماء أهل السنة والجماعة في بلاد المشرق الإسلامي.

وسوف نفصل القول في بيان مذهب الماتريدية، والمسائل التي خالف فيها الماتريدي أبا الحسن الأشعري.

فنقول:

يعد الماتريدي -بحق- واحدًا من أبرز المؤسسين لعلم الكلام الإسلامي؛ إذ ينسب إليه المذهب الماتريدي، وهو مذهب يهدف إلى فهم أصول الشريعة وقواعد الإسلام في ضوء الأسس العقلية السليمة، فهو مذهب يجمع بين العقل والنقل، وإن كان العقل تابعًا، مهمته فهم أصول التوحيد التي نقلت إلينا من طريق الوحي.

وقد أشرنا في غير موضع إلى تشابه المذهب الأشعري مع المذهب الماتريدي، وأن كلا المذهبين قد نشأ في سياق فكري واحد.

وقامت الماتريدية بالرد على المخالفين والمغالين وبخاصة المعتزلة والروافض والمشبهة، وكان المنهج الذي اعتمده علماء هذا المذهب في الرد على المخالفين ومناقشة المسائل الكلامية منهجًا معتدلاً يوازن بين العقل والنقل، وهو المنهج نفسه الذي عول عليه الأشعري.

أثمر اتفاق -أو قل تطابق- المنهجين اللذين اصطنعهما الأشاعرة والماتريدية، اتفاقًا بينهما في أمهات المسائل الكلامية؛ مثل: وجود اللَّه وصفاته، وجواز رؤيته في الدنيا، وتحقق الرؤية للمؤمنين في الآخرة. . . إلى آخر هذه المسائل المثبتة في كتب التوحيد

<<  <  ج: ص:  >  >>