الآية دلالة أن أكثر أهل الأرض كانوا ضلالا، أوعباد الأوثان، والأصنام؛ لأنه قال:(أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يُضِلُّوكَ) لأنهم إلى الضلال كانوا يدعونه.
ثم الخطاب وإن كان لرسول اللَّه في الظاهر، فهو لكل مؤمن؛ إذ معلوم أن رسوله لا يطيعهم فيما يدعونه إلى عبادة الأوثان في الأرض.
وفيه أن في الأرض كان من يعبد اللَّه وكان على دين الأنبياء والرسل.
وقوله:(وَإِنْ تُطِعْ أَكْثَرَ مَنْ فِي الْأَرْضِ يُضِلُّوكَ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ) ذكر في القصة أن أهل الكفر دعوا رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى عبادة الأوثان، ويقولون: إنهم يعبدون اللَّه في الحقيقة؛ كقولهم:(مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى)، ويقولون (هَؤُلَاءِ شُفَعَاؤُنَا عِنْدَ اللَّهِ)، كأنهم يعبدون الأوثان ويرتكبون الفواحش ويقولون اللَّه أمرنا بها فأخبر رسوله: أنك لو أطعت هَؤُلَاءِ إلى ما يدعونك من عبادة هذه الأصنام أضلوك عن سبيل اللَّه؛ لأنهم لا يعبدون هذه الأصنام إلا ظنُّا يظنون؛ كقوله:(إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ) أي: ما يتبعون إلا الظن (وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ) ما هم إلا يكذبون على اللَّه في قولهم: إن ذلك يقربهم إلى اللَّه زلفى، وقولهم:(وَاللَّهُ أَمَرَنَا بِهَا).
يعلم من يزيغ ويضل عن سبيله (وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ)، ويعلم من يهتدي به.
وفي قوله:(إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ مَنْ يَضِلُّ عَنْ سَبِيلِهِ). دلالة على أنه على علم منه بالضلال والتكذيب بعث الرسل إليهم وأرسل الكتب، لا عن جهل منه، لكن صار بعث ما بعث من الرسل والكتب إليهم حكمة على علم منه بما يكون منهم؛ لأنه إنما يبعث لمكان المرسل إليهم ولحاجتهم.