الافتراء: أنه افترى، وكذلك كان عادتهم المعاندة والمكابرة؛ كقوله:(وَمَا تَأْتِيهِمْ مِنْ آيَةٍ مِنْ آيَاتِ رَبِّهِمْ إِلَّا كَانُوا عَنْهَا مُعْرِضِينَ)، وكقوله:(مَا يَأْتِيهِمْ مِنْ ذِكْرٍ مِنْ رَبِّهِمْ مُحْدَثٍ إِلَّا اسْتَمَعُوهُ وَهُمْ يَلْعَبُونَ)، ونحوه من الآيات. كلما أتى بهم حجة وآية بعد آية كانوا يستقبلونه بالتكذيب لها، ونسبة رسول اللَّه إلى الافتراء من نفسه؛ ويزداد لهم بذلك كفرًا، وهو ما قال:(وَإِذَا مَا أُنْزِلَتْ سُورَةٌ فَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ أَيُّكُمْ زَادَتْهُ هَذِهِ إِيمَانًا فَأَمَّا الَّذِينَ آمَنُوا فَزَادَتْهُمْ إِيمَانًا وَهُمْ يَسْتَبْشِرُونَ (١٢٤) وَأَمَّا الَّذِينَ فِي قُلُوبِهِمْ مَرَضٌ فَزَادَتْهُمْ رِجْسًا إِلَى رِجْسِهِمْ): أخبر أنه كان يزداد لأهل الإيمان بما ينزل عليهم من سُورَةٍ إيمانًا، ويزداد لأهل الشرك رجسًا وكفرًا إلى كفرهم مثل هذا.
ولو كان يحتمل أن يكون حرف (إذا) مكان (لو) - لكان أقرب، ويكون تأويله: ولو أنزلنا حجة بعد حجة وآية على أثر آية جديدة - فما آمنوا؛ كقوله:(وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا)، وكقوله:(وَلَوْ أَنَّ قُرْآنًا سُيِّرَتْ بِهِ الْجِبَالُ. . .) الآية، أي: لو أن هذا القرآن - قرآن سيرت به الجبال أو كلم به الموتى - فما آمنوا به؛ لعنادهم؛ فعلى ذلك: الأول قد يحتمل قوله: (وَإِذَا بَدَّلْنَا آيَةً مَكَانَ آيَةٍ) بالسؤال مكان آية (قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ).
يحتمل قوله:(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) به صلاحهم وغير صلاحهم، أو أن يكون:(وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ) من تثبيت قلوب الذين آمنوا؛ كقوله:(لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آمَنُوا)، أو أن يكون (وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ): جبريل على رسوله؛ جوابَا لقولهم:(إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ)، وكقوله:(قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ)، أي: ليس بمفتر؛ ولكن نزله جبريل من ربه.
يحتمل قوله:(بِالْحَقِّ)، أي: بالحق الذي عليهم، أو بالحق الذي لبعضهم على بعض. والحق في الأقوال: هو الصدق، وفي الأفعال: صواب ورشد، وفي الأحكام: عدل وإصابة، والحق: هو الشيء الذي يحمد عليه فاعله.