وعلى ذلك قول عامة أهل التأويل، كأن هذا يخرج على البشارة: أن منهم من يؤمن به؛ لئلا يقطع ويمنع دعاءهم، وأخبر أن منهم من لا يؤمن به، يؤيسه حتى لا يشتد حزنه على كفرهم.
وجائز أن يكون هذا: أي: منهم من، قد يولد من بعد، ويؤمن به، ومنهم من يولد فلا يؤمن.
وقوله:(وَرَبُّكَ أَعْلَمُ بِالْمُفْسِدِينَ) يشبه أن يكون معناه: أي: على علم بما يكون منهم من الفساد خلقهم وأنشأهم، وليس عن غفلة وجهل بالفساد، ولكن عن علم بذلك؛ لما لا يضره فساد مفسد، ولا ينفعه صلاح من يصلح، إنما عليهم ضرر فسادهم، ولهم منفعة صلاحهم.
ويحتمل أن يكون على الوعيد، أي: عالم بفسادهم، فيجزيهم جزاء فسادهم، والله أعلم.
وقوله:(وَإِنْ كَذَّبُوكَ فَقُلْ لِي عَمَلِي وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ أَنْتُمْ بَرِيئُونَ مِمَّا أَعْمَلُ وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تَعْمَلُونَ (٤١) تأويله - واللَّه أعلم - أي: إن كذبت فيما أخبرتكم: أنه جاء من عند اللَّه، فـ (لِي عَمَلِي)، أي: جزاء عملي فيما أبلغكم، أي: فعليَّ وزر عملي، (وَلَكُمْ عَمَلُكُمْ)، أي: فعليكم جرم ما رددتم علي فيما بلغتكم عن اللَّه، وهو كقوله:(أَمْ يَقُولُونَ افْتَرَاهُ قُلْ إِنِ افْتَرَيْتُهُ فَعَلَيَّ إِجْرَامِي وَأَنَا بَرِيءٌ مِمَّا تُجْرِمُونَ) أي: علي جرم ما افتريت إن افتريت، وعليكم جرم ما رددتم عليَّ فيما بلغتكم عن اللَّه.
ويحتمل: ما قاله أهل التأويل: (لِي عَمَلِي) أي: لي ديني (وَلَكُم عَمَلُكُم) أي: لكم دينكم.