يخرجهم من أرضهم، إنما يريد الإسلام منهم؛ فعلى ذلك هَؤُلَاءِ الرؤساء عرفوا أنه ليس بساحر ولكنه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، ولكن أرادوا أن [يغروا] قومهم وأتباعهم عليه ولبسوا أمره عليهم؛ لئلا يتبعوه، وكذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ (٥) هذا القول من الرؤساء والمتبوعين منهم [إغراء] عليه لما عرفوا من خبر عبادة الأصنام والأوثان في قلوبهم، فقالوا:(أَجَعَلَ الْآلِهَةَ إِلَهًا وَاحِدًا إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ عُجَابٌ).
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَانْطَلَقَ الْمَلَأُ مِنْهُمْ أَنِ امْشُوا وَاصْبِرُوا عَلَى آلِهَتِكُمْ (٦) اختلف في قوله: (أَنِ امْشُوا) قَالَ بَعْضُهُمْ: إن الملأ منهم والأتباع، أتوا أبا طالب يشكون رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فيما يذكر آلهتهم بسوء، فلما كلموه في ذلك لم يلتئم أمرهم فيما طمعوا منه ولم يجبهم إلى ما دعوه إليه وسألوه، فقال الملأ وهم أشرافهم للأتباع: امشوا من عنده واصبروا على عبادة آلهتكم.
أو أن يقال: أن قال الملأ للأتباع: (أَنِ امْشُوا) إلى آلهتكم (وَاصْبِرُوا) على عبادتها.
أو أن يكون قولهم لهم:(أَنِ امْشُوا) إلى أبي طالب وقولوا له كذا (وَاصْبِرُوا) على كذا.
أو يقولون: امشوا إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، واللَّه أعلم.
لسنا ندري ما أرادوا بقولهم:(إِنَّ هَذَا لَشَيْءٌ يُرَادُ)، فجائز أن يكونوا أرادوا بذلك أن محمدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وإن دعاكم إلى ترك عبادة الأصنام لا يترككم كذلك، ولكن يدعوكم إلى عبادة غيرها، أو يطلب منكم أشياء أحوالا، أو أشياء أرادوا لسنا نعرف ما أرادوا بذلك، والله أعلم.
قَالَ بَعْضُهُمْ: الملة الآخرة: هي ملة عيسى - عليه السلام - قالوا ذلك؛ لأن النصارى اختلفوا في عيسى - عليه السلام - منهم من اتخذه إلهًا، ومنهم من اتخذه ولدًا لله - عَزَّ وَجَلَّ - فيقولون: عبادة الواحد الذي يدعو إليه مُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - في الملة الآخرة وهي النصرانية إذ من صيره إلها عنده ومن قال: إنه صيره بحيث يحتمل الشريك؟! فيقولون: ظهرت عبادة العدد في الملة الآخرة فكيف يمنعنا مُحَمَّد - عليه الصلاة والسلام - عن عبادة العدد ويدعونا إلى عبادة الواحد؟!