وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) فإن كانت الجنتان اللتان سبق ذكرهما للسابقين والصديقين، فهاتان اللتان ذكرهما هاهنا لأصحاب اليمين، على ما ذكره بعض أهل التأويل؛ فجائز أن يكون قوله:(وَمِنْ دُونِهِمَا) أي: في الفضل والقدر والمنزلة؛ لفضل أُولَئِكَ على أصحاب اليمين.
وإن كانت الجنتان جميعا لكل فريق منهم؛ فجائز أن يكون قوله:(وَمِنْ دُونِهِمَا جَنَّتَانِ) في المكان والموضع، لا في الفضل والقدر؛ فكأنه قال: من أي جهة وقع بصرهم يقع في جناتهم، من فوق ومن تحت، وعن يمين وشمال؛ أي يكونون وسط الجنات لا يحتاجون إلى التحويل من مكان إلى مكان؛ كقوله تعالى:(لَا يَبْغُونَ عَنْهَا حِوَلًا)، وعلى هذا يخرج قوله تعالى:(مُدْهَامَّتَانِ (٦٤) على ما ذكرنا هو شديد الخضرة الذي يضرب إلى السواد، فوصف هاتين دون وصف تينك الجنتين بقوله تعالى:(ذَوَاتَا أَفْنَانٍ)، على التأويل الأول، وكذلك قوله تعالى:(عَيْنَانِ نَضَّاخَتَانِ (٦٦) على ما ذكرنا: أنهما دون الجاريتين، وكذلك روي عن الفراء قال: العينان تجريان أفضل من النضاختين بقوله: (نَضَّاخَتَانِ)؛ لأنهما ينضخان بالخمر والبركة لأهل الجنة.
وقيل: ينضخان بالماء وأنواع الفواكه.
وروي عن أنس بن مالك - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أنه قال: تنضخان بالمسك والعنبر، كما ينضخ طير الماء على بيوت أهل الدنيا.