للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

أي: بألسنتهم كانوا بمنزلة البداء؛ وأنهم تركوا أوطانهم وديارهم.

(يَسْأَلُونَ عَنْ أَنْبَائِكُمْ):

كانت همتهم التخلف والفرار من القتال وطلب أخبار المؤمنين: أنهم ما فعل بهم؟ نحو ما قال: (وَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ إِنَّهُمْ لَمِنْكُمْ وَمَا هُمْ مِنْكُمْ وَلَكِنَّهُمْ قَوْمٌ يَفْرَقُونَ (٥٦) لَوْ يَجِدُونَ مَلْجَأً أَوْ مَغَارَاتٍ أَوْ مُدَّخَلًا لَوَلَّوْا إِلَيْهِ وَهُمْ يَجْمَحُونَ)، هكذا كانت عادتهم، ثم ابتلاهم اللَّه بما كانوا يظهرون الموافقة للمؤمنين ويضمرون الخلاف لهم؛ والعداوة بفضل فشل وجبن ما لم يكن ذلك في غيرهم؛ ففي ذلك تحذير للمؤمنين وزجر عن مثل هذا الصنيع ومثل هذه المعاملة؛ لئلا يبتلوا بمثل ما ابتلي أُولَئِكَ.

وفيه أنه يعامل بعضهم بعضا على الظاهر الذي ظهر دون حقيقة ما يكون؛ وعلى ذلك يجري الحكم على ما عامل رسول اللَّه وأصحابه أهل النفاق، وحكمه على ما أظهروا دون ما أضمروا في الأنكحة والصهر وغير ذلك من الأحكام، واللَّه أعلم.

وقوله: (وَلَوْ كَانُوا فِيكُمْ مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا).

قَالَ بَعْضُهُمْ: (مَا قَاتَلُوا إِلَّا قَلِيلًا)، أي: إلا فيما يدفعون عن أنفسهم لو قصدوا، فأما الدفع عن المؤمنين ودينهم فلا.

وجائز أن يكون المراد بالقليل، أي: لا يقاتلون ألبتَّة حقيقة القتال، وهو ما ذكر عنهم؛ حيث قال: (لَوْ خَرَجُوا فِيكُمْ مَا زَادُوكُمْ إِلَّا خَبَالًا)، أي: فسادا في أمركم، واللَّه أعلم.

* * *

قوله تعالى: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللَّهَ وَالْيَوْمَ الْآخِرَ وَذَكَرَ اللَّهَ كَثِيرًا (٢١) وَلَمَّا رَأَى الْمُؤْمِنُونَ الْأَحْزَابَ قَالُوا هَذَا مَا وَعَدَنَا اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَصَدَقَ اللَّهُ وَرَسُولُهُ وَمَا زَادَهُمْ إِلَّا إِيمَانًا وَتَسْلِيمًا (٢٢) مِنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ وَمَا بَدَّلُوا تَبْدِيلًا (٢٣) لِيَجْزِيَ اللَّهُ الصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ إِنْ شَاءَ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا (٢٤) وَرَدَّ اللَّهُ الَّذِينَ كَفَرُوا بِغَيْظِهِمْ لَمْ يَنَالُوا خَيْرًا وَكَفَى اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ الْقِتَالَ وَكَانَ اللَّهُ قَوِيًّا عَزِيزًا (٢٥) وَأَنْزَلَ الَّذِينَ ظَاهَرُوهُمْ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ مِنْ صَيَاصِيهِمْ وَقَذَفَ فِي قُلُوبِهِمُ الرُّعْبَ فَرِيقًا تَقْتُلُونَ وَتَأْسِرُونَ فَرِيقًا (٢٦) وَأَوْرَثَكُمْ أَرْضَهُمْ وَدِيَارَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ وَأَرْضًا لَمْ تَطَئُوهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرًا (٢٧)

وقوله: (لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ).

قَالَ بَعْضُهُمْ: ذلك حيث كان يباشر القتال بنفسه، فباشروا معه القتال فمن باشر معه القتال أساه بأسوة حسنة، ومن لم يفعل فلم يواسه.

<<  <  ج: ص:  >  >>