للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

بأحوالهم، والقدير على إنشاء الأشياء لا من أشياء، وعلى البعث بعد الموت، والله أعلم.

* * *

قوله تعالى: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ (٥٥) وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْإِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (٥٦) فَيَوْمَئِذٍ لَا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلَا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ (٥٧) وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِنْ كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِنْ جِئْتَهُمْ بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا مُبْطِلُونَ (٥٨) كَذَلِكَ يَطْبَعُ اللَّهُ عَلَى قُلُوبِ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (٥٩) فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ (٦٠)

وقوله: (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ).

قال بعض أهل التأويل: يقسم المجرمون: إنهم لم يلبثوا في قبورهم غير ساعة، وكذلك يقولون: في قوله: (كَمْ لَبِثْتُمْ فِي الْأَرْضِ عَدَدَ سِنِينَ. قَالُوا لَبِثْنَا يَوْمًا أَوْ بَعْضَ يَوْمٍ. . .) الآية.

لكن الأشبه أن يكون قوله: (يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ): الدنيا في المحنة، لا في القبور، استقصروا مقامهم في الدنيا؛ تكذيبًا لما ادعى عليهم من الزلل والمعاصي أنواع الكفر؛ يقولون: إنا لبثنا في الدنيا وقتا لا يكون منا في مثل ذلك الوقت وتلك المدة الزلل والمعاصي؛ ألا ترى أنهم قد كذبوا في إنكارهم طول المقام فيها؛ حيث قال: (كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)، أي: كذلك كانوا يكذبون في الدنيا أن لا بعث ولا حياة بعد الموت ولا حساب، ولولا هذا التكذيب لهم على أثر قولهم: (مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ)، وإلا كان الظاهر أنهم قد استقصروا المقام في الدنيا؛ لطول المقام في الآخرة وشدة العذاب في ذلك وهوله، لكنه - واللَّه أعلم - ما ذكرنا أنهم يقسمون: إنهم ما لبثوا غير ساعة في الدنيا؛ إنكارا وجحودًا لما ادعى عليهم من الزلل والمعاصي، يقولون: إنا لم نلبث في الدنيا إلا ساعة، فكيف عملنا فيها هذا الزلل وأنواع الشرك والكفر؛ فأخبر أنهم (كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ)، أي: كذلك كانوا يكذبون في الدنيا ويقسمون؛ حيث قال: (وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَا يَبْعَثُ اللَّهُ مَنْ يَمُوتُ)، فذلك القسم منهم أنهم ما لبثوا غير ساعة كذب وإنكار للمقام، كما كذبوا وأنكروا الشرك؛ حيث قالوا (وَاللَّهِ رَبِّنَا مَا كُنَّا مُشْرِكِينَ).

<<  <  ج: ص:  >  >>