وقَالَ بَعْضُهُمْ: كان النبي - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - سبى ذراري بني تميم ونساءهم، فأتوا يطلبون منه تخلية سبيل أُولَئِكَ وإعتاقهم وردهم إليهم، فنادوه من وراء حجرات، فأعتق بعضهم، وفدى بعضًا؛ فنزلت الآية.
وقوله:(أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ). وَلَوْ أَنَّهُمْ صَبَرُوا حَتَّى تَخْرُجَ إِلَيْهِمْ لَكَانَ خَيْرًا لَهُمْ ... (٥) لأن ذلك أعظم لقدره، وأجل لمنزلته، وأعرف لحقه، وأحفظ لحرمته.
ثم قوله:(أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْقِلُونَ) يحتمل وجوهًا:
أكثرهم لا يعرفون قدره ومنزلته، وإن كان قليل منهم يعرفون ذلك، وهم المؤمنون.
والثاني: أكثرهم لا ينتفعون بما يعقلون.
والثالث: أكثرهم لا يعقلون أنه رسوله، وهم الأتباع والسفلة من الكفرة، وإنما يعرف القليل منهم، وهم الرؤساء المعاندون.
وفي هذه الآية وفي قوله - تعالى -: (أَنْ تَحْبَطَ أَعْمَالُكُمْ وَأَنْتُمْ لَا تَشْعُرُونَ) دلالة أن قد يلحق المرء حكم الكفر ويحبط العمل إذا خرج مخرج الاستخفاف وإن لم يعلم به ولم يقصد، واللَّه أعلم.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا) جميع أهل التأويل أو عامتهم على أن الآية نزلت في الوليد بن عقبة بن أبي معيط، بعثه رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إلى بني المصطلق، وإلى قوم سواهم؛ لجباية الصدقات، وكان بينه وبين أُولَئِكَ القوم عداوة في الجاهلية، فخرجوا يتلقونه، فخافهم، فرجع، فقال: إن القوم قد منعوا الصدقات، فبعث رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - إليهم بعد ذلك خالد بن الوليد لجباية الصدقات، فوجدهم يصلون ويعملون الطاعات، واجتمعوا وجمعوا له الصدقات وجبوها وسلموها إليه، فرجع إلى رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بها، فنزل قوله - تعالى -: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ