للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اذكر ما أعطى هو من الحكمة والحكم وفصل الخطاب.

ثم قوله: (نَبَأُ الْخَصْمِ) هو حرف التوحيد والوحدان.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ تَسَوَّرُوا الْمِحْرَابَ).

حرف الجماعة؛ وكذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِذْ دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ ... (٢٢) ذكره بالجماعة؛ وكذلك قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَفَزِعَ مِنْهُمْ) ذكر بحرف الجماعة، وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: قوله تعالى: (قَالُوا لَا تَخَفْ)، ثم ذكر بحرف التثنية حيث قال - عَزَّ وَجَلَّ -: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ) وذكر بعضه بحرف الوحدان والإفراد وبعضه بحرف التثنية وهي قصة واحدة.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: أما قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (الْخَصْمِ) فهو مصدر، والمصدر للجمع والفرد والتثنية واحد، وأما قوله - تعالى -: (تَسَوَّرُوا) و (دَخَلُوا) و (قَالُوا)، ونحوه قد يقال للاثنين ذلك؛ لأن الاثنين جماعة؛ كقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا)، والقلوب جماعة، وإنما هو قلبان، وذلك كثير في القرآن، وذلك جائز في اللغة شائع فيها.

وعندنا جائز أن يكون قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (تَسَوَّرُوا) و (دَخَلُوا عَلَى دَاوُودَ) و (قَالُوا لَا تَخَفْ) ونحوه: أن كان مع الخصمين الملكين ملائكة سواهم شهود على دعواهما وخصومتهما تسوروا معهما ودخلوا معهما عليه فلما فزع منهم (قَالُوا لَا تَخَفْ) وإن كان الذي تخاصم بين يديه اثنان؛ لما لا يحتمل أن يقول داود لأحد الخصمين: (لَقَدْ ظَلَمَكَ بِسُؤَالِ نَعْجَتِكَ إِلَى نِعَاجِهِ)، ينسبه إلى الظلم ويصفه بالبغي بلا شهود يشهدون، إلا أن يكون من الآخر إقرار على ما يدعي عليه، فإذا كان كذلك فيشبه أن يكون ما ذكرنا أنه كان مع الملكين ملائكة آخرون شهود يشهدون على ذلك، وأن حاصل الخصومة لاثنين منهم، وفيما أضيف الفعل إلى الجماعة كانوا جماعة في التسور والدخول عليه والقول منهم: (لَا تَخَفْ)، وفيما أضيف إلى الاثنين اثنين كانا في الخصومة، واللَّه أعلم.

ثم فيه من الكلام والقول حيث قالا: (خَصْمَانِ بَغَى بَعْضُنَا عَلَى بَعْضٍ)، و (إِنَّ هَذَا أَخِي لَهُ تِسْعٌ وَتِسْعُونَ نَعْجَةً وَلِيَ نَعْجَةٌ وَاحِدَةٌ)، وقوله: (أَكْفِلْنِيهَا وَعَزَّنِي فِي الْخِطَابِ)، ونحوه من الكلام والقول الذي كان منهما كيف حققا ذلك وقطعاه أنهما خصمان ولم يكونا في الحقيقة خصمين وإن لهذا كذا وكذا نعجة ولهذا واحدة، ولم يكن في الحقيقة ذلك، وأن هذا بغى على هذا ونحو ذلك من الخصومات التي جرت بينهما، ولم يكن ذلك كذلك في الحقيقة، كيف قالا ذلك وحققاه وهم ملائكة والملائكة لا يحتمل أن يكذبوا قط، أو يرسلهم اللَّه ليكذبوا؟! لكنه - واللَّه أعلم - على التقرير والتمثيل، أي: لو كان لأحدهما

<<  <  ج: ص:  >  >>