للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

شيء، وأن له الخلق والأمر، والإيمان برسوله: هو أن صدقه في كل ما يخبر عن الله تعالى وفي كل قول وفعل، وأنه صادق، وأنه محق، وتعلم أنه بأمر اللَّه تعالى ونهيه يأمر وينهى ويفعل لا من ذات نفسه؛ هذا هو الإيمان باللَّه تعالى ورسوله - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ) يقول - واللَّه أعلم -: وأنفقوا من المال الذي جعلكم فيه خلفاء من تقدمكم؛ لأن الناس يخلف بعضهم بعضا في هذه الأموال؛ كأنه يقول: أنفقوا من المال الذي جعلكم خلفاء من تقدمكم قبل أن يخلفكم من بعدكم؛ كما ترك الإنفاق من تقدمكم؛ إذ هي إنما أنشئت للإنفاق والانتفاع بها، لا للترك كما هي، واللَّه أعلم.

ثم أخبر تعالى بقوله: (فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ) أن من كان أمر به وأنفق، فله أجر كبير: ما أوعد لهم من الأجر على جهة الإنعام منه والإفضال، دون الاستحقاق؛ إذ المال ماله، وهم عبيده، ولا يلزم للعبد أجر على سيده، واللَّه الموفق.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) في ظاهره متناقض؛ لأنه يقول: (وَمَا لَكُمْ لَا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ)، ولو كانوا لا يؤمنون بالله كيف يقرون باللَّه وبالرسول، ويصدقونه: أنه رسول اللَّه؛ إذ التصديق بالرسول تصديق بالمرسل، وهم لا يؤمنون باللَّه، فكيف يصدقون الرسول؟ لكنه يخرج على وجهين:

أحدهما: أي: ما لكم لا تؤمنون باللَّه؟ أي: بقدرة اللَّه على بعثكم وإحيائكم بعد موتكم قد أتاكم ودعاكم بما تبين لكم من قدرته وسلطانه على البعث، فما لكم لا تؤمنون بقدرته؟ على هذا جائز أن يخرج؛ لأن أهل مكة كانوا أصنافا: منهم من يذهب مذهب الدهر، ومنهم من يذهب مذهب الشرك، ومنهم من يقر بالتوحيد وينكر البعث، والله أعلم.

والثاني يقول: أي: عذر لكم في ترك الإيمان باللَّه تعالى والرسول دعاكم، وقد أتاكم من الآيات والحجج ما يدفع عنكم العذر، ويزيح عنكم الشبه؟ فأي عذر لكم من ترككم الإيمان به؟ فما لكم لا تؤمنون؟

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَقَدْ أَخَذَ مِيثَاقَكُمْ) قد ذكرنا فيما تقدم أن أخذ الميثاق من الله تعالى يخرج على وجوه:

أحدها: على ألسن الرسل - عليهم السلام - كقوله تعالى: (وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلَاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي. . .)، إلى آخر ما ذكر، وغير ذلك من أمثاله.

<<  <  ج: ص:  >  >>