للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لكنهم يقولون: قوله: (يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ) إذا خلقه؛ وكذلك يقولون في قوله: (وَاللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ): إن خلقه أو كلام نحو هذا.

قلئن جاز لهم هذا من الزيادة جاز لكل أحد مثله، فذلك بعيد.

وعلى قولهم أكثر الأشياء ليست بمخلوقة لله، وهو على أكثر الأشياء غير قدير؛ لأن أفعال الخلق لا شك أنها أكثر من أنفسهم، فأخبر أنه على كل شيء قدير، وأنه يخلق ما يشاء، وأن هذا منه خرج مخرج الامتداح له والثناء له بما له من السلطان والقدرة على الخلق كلهم، فلو كان على ما يقوله المعتزلة لم يكن هذا مدحًا له ولا ثناء بالسلطان والقدرة؛ إذ هو على قولهم على أكثر الأشياء ليس بقادر على ما ذكرنا.

ثم نزه نفسه وبرأها عما قالوا فيه وأشركوا غيره في ألوهيته وربوبيته وفي عبادته فقال: (سُبْحَانَ اللَّهِ وَتَعَالَى عَمَّا يُشْرِكُونَ)، وقال: (وَرَبُّكَ يَعْلَمُ مَا تُكِنُّ صُدُورُهُمْ وَمَا يُعْلِنُونَ (٦٩) هذا يخرج على الوعيد لهم والتنبيه؛ ليكونوا على حذر فيما يسرون وما يعلنون، والله أعلم.

وقوله: (وَهُوَ اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ وَلَهُ الْحُكْمُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ (٧٠)

قوله: (وَلَهُ الْحُكْمُ) كقوله: (وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ)، وقد ذكرنا أن قوله: (وَيَخْتَارُ مَا كَانَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ) من أمرهم أنه يخرج على وجهين:

أحدهما: له الاختيار في أمرهم؛ لا لهم الاختيار في أمرهم، ولا يملكون هم ما يختار لهم دفعه.

والثاني: هو يختار لهم الخيرة في أمرهم؛ لأنه هو العالم بمصالح أمورهم وما يرجع إلى الأوفق والأنفع وهم لا يعرفون ذلك، فعلى ذلك قوله: (وَلَهُ الْحُكْمُ) في الدنيا والآخرة لأن أنفس الخلائق له دونهم، فله الحكم في أمورهم وأفعالهم؛ كما له الحكم في أحوالهم؛ لأنه لا يلحقه الخطأ في حكمه؛ إذ هو عالم بذاته، ولا تلحقه التهمة أيضا في دفع مضرة أو جر نفع؛ لأنه غني بذاته فله الحكم في الدارين جميعًا، واللَّه الموفق. وقوله: (لَهُ الْحَمْدُ فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ): هذا يخرج على وجوه:

أحدها: ما قاله أحس التأويل: إن أولياءه يحمدونه في الدنيا والآخرة في الجنة حيث قالوا: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ. . .) الآية، يقولونه إذا دخلوا الجنة.

والثاني: وقَالَ بَعْضُهُمْ (فِي الْأُولَى وَالْآخِرَةِ) يقول: في السماوات والأرض، وتصديقه

<<  <  ج: ص:  >  >>