(قَالُوا سَمِعْنَا) قولك، (وَعَصَيْنَا) أمرك.
لكن قولهم: (وَعَصَيْنَا) لم يكن على أثر قولهم: (سَمِعْنَا)، ولكن بعد ذلك بأوقات؛ لأَنه قيل: لما أَبوا قبول التوراة؛ لما فيها من الشدائد والأَحكام، رفع اللَّه الجبل فوقهم، فقبلوا؛ خوفًا من أن يرسل عليهم الجبلَ، وقالوا: أَطعنا، فلما زايل الجبل، وعاد إلى مكانه، فعند ذلك قالوا: (وَعَصَينَا)، وهو كقوله: (ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ) فالتولي منهم كان بعد ذلك بأَوقات.
وقوله: (وَأُشْرِبُوا فِي قُلُوبِهِمُ الْعِجْلَ بِكُفْرِهِمْ).
قيل: أشربوا، أَي: جُعل في قلوبهم حب عبادة العجل بكفرهم باللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وقيل: سُقُوا حُبَّ العجل.
وقيل: إِن موسى لما أَحرق العجل، ونسفه في البحر جعلوا يشربون منه لحبهم العجل.
وقيل: لما أَحرق ونسف في البحر جعلوا يلحسون الماء. حتى اصفرت وجوههم.
وقيل: إنهم لما رأوا في التوراة ما فيها من الشدائد، قالوا عند ذلك: عبادةُ العجل علينا أَهون مما فيها من الشرائع.
وكله يرجع إلى وأحد، وذلك كله آثار الحب.
وقوله: (قُلْ بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ بِهِ إِيمَانُكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ).
قيل: قل يا مُحَمَّد: بئسما يأْمركم إيمانكم بالعجل الكفرَ باللَّه عَزَّ وَجَلَّ.
وقيل: إن اليهود ادعوا أَنهم مؤمنون بالتوراة؛ فقال: (بِئْسَمَا يَأْمُرُكُمْ) أي بالتوراة؛ إذ كفرتم بمُحَمَّد - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وقد وجدتم فيها نعته وصفته.
وقوله: (قُلْ إِنْ كَانَتْ لَكُمُ الدَّارُ الْآخِرَةُ عِنْدَ اللَّهِ خَالِصَةً مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (٩٤)
وذلك أَن أعداءَ اللَّه - تعالى - كانوا يقولون: إن الجنة لنا في الآخرة، بقولهم: (لَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ إِلَّا مَنْ كَانَ هُودًا أَوْ نَصَارَى)، وكقولهم: (كُونُوا هُودًا أَوْ نَصَارَى تَهْتَدُوا)، وكقولهم: (نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ)؛