للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والبلاء يتطيرون بهم ويتشاءمون، ويقولون: إنما أصابنا هذا بشؤمكم، وإذا أصابهم رخاء وسعة فقالوا: هذا لنا بنا ومن أنفسنا، وهو ما قال موسى حيث قال: (فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ) الآية؛ وكذلك قال أهل مكة لرسول اللَّه حيث قال: (وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ)، كانوا يتطيرون برسول اللَّه ويتشاءمون بما يصيبهم من الشدة، وما ينزل بهم من البلاء، فأخبر اللَّه رسوله، وأمره أن يقول لهم: (قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ) أي: الرخاء والشدة من عند اللَّه ينزل، وهو باعث ذلك لا أنا؛ فعلى ذلك قوله: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) أي: ما ينزل بكم ويصيبكم من الشدة والرخاء إنما ينزل من عند اللَّه لا بنا ولا بكم.

أو يقال: ما ينزل بكم من العذاب في الآخرة إنما يصيب بتكذيبكم إياي في الدنيا.

أو أن يقال: طائركم عند اللَّه، أي: جزاء طيرتكم عند اللَّه، هو يجزيكم بها بعذاب الدنيا والآخرة.

(بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) يحتمل قوله: (بَلْ أَنْتُمْ قَوْمٌ تُفْتَنُونَ) ابتداء: مرة بالشدة ومرة بالرخاء، لا بما تكسبون من الأعمال.

وجائز أن قوله: (تُفْتَنُونَ) بالعذاب بما تكسبون من الأعمال في الدنيا، أي: تعذبون بها.

قال أَبُو عَوْسَجَةَ: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) يقول: اللَّه أعلم بطائركم وما تطيرتم به.

وقَالَ الْقُتَبِيُّ: (طَائِرُكُمْ عِنْدَ اللَّهِ) أي: ليس ذلك بي وإنما هو من اللَّه، وهو ما ذكرنا.

وقوله: (وَكَانَ فِي الْمَدِينَةِ تِسْعَةُ رَهْطٍ يُفْسِدُونَ فِي الْأَرْضِ وَلَا يُصْلِحُونَ (٤٨) قَالَ بَعْضُهُمْ: الرهط: إنما يقال من ثلاثة إلى تسعة، وإذا نقص عن ذلك أو زاد يقال: رجال.

وقال أَبُو عَوْسَجَةَ: الرهط: النفر، وأراهط ورهوط جمع.

ثم يحتمل الرهط وجهين:

أحدهما: (تِسْعَةُ رَهْطٍ) أي: تسعة نفر من الأتباع وغيره يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

والثاني: تسعة رهط لا تسعة نفر من الرؤساء، ولكل أحد منهم رهط من الأتباع يفسدون في الأرض ولا يصلحون.

<<  <  ج: ص:  >  >>