للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَسَيَقُولُونَ بَلْ تَحْسُدُونَنَا بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا) كانوا يقيسون أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - بأنفسهم؛ لأنهم إذا أصابوا شيئًا -أعني: المنافقين- كانوا يحسدون أصحاب رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ -، وأرادوا ألا يكون لهم في ذلك نصيب ولا حظ؛ حسدًا منهم لهم، فلما منعهم المؤمنون عن الخروج إلى خيبر وقالوا: إن اللَّه نهاكم أن تخرجوا معنا، وقد بشروا بالفتح، قالوا عند ذلك: بل تحسدوننا في إصابة تلك الغنائم، لم ينهنا اللَّه - تعالى - عن الخروج معكم؛ قاسوا المؤمنين بأنفسهم، (بَلْ كَانُوا لَا يَفْقَهُونَ إِلَّا قَلِيلًا) الفقه هو الاستدلال بما عرفوه وشهدوه على الذي لم يعلموه وغاب عنهم؛ يخبر أن هَؤُلَاءِ لا يعرفون الاستدلال.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الفقه هو معرفة الشيء بنظيره الدال على غيره، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ لِلْمُخَلَّفِينَ مِنَ الْأَعْرَابِ سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ تُقَاتِلُونَهُمْ أَوْ يُسْلِمُونَ فَإِنْ تُطِيعُوا يُؤْتِكُمُ اللَّهُ أَجْرًا حَسَنًا وَإِنْ تَتَوَلَّوْا كَمَا تَوَلَّيْتُمْ مِنْ قَبْلُ يُعَذِّبْكُمْ عَذَابًا أَلِيمًا (١٦) وهم الذين تخلفوا عن الحديبية (سَتُدْعَوْنَ إِلَى قَوْمٍ أُولِي بَأْسٍ شَدِيدٍ) على قول ابن عَبَّاسٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - ومقاتل: وهَؤُلَاءِ هم بنو حنيفة، وفيهم مسيلمة الحنفي الكذاب، استقرت إليهم الأعراب بعد نبي اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - فدعاهم أبو بكر الصديق إلى قتالهم.

وقال الحسن: هم أهل فارس والروم.

وقال قتادة وغيره: دعوا إلى قتال هوازن وثقيف يوم حنين.

ويروى عن جابر بن عبد اللَّه - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - يقول: دعوا يوم حنين إلى هوازن وثقيف، فمنهم من أحسن الإجابة ورغب في الجهاد، ومنهم من أبى.

لكن ما قال قتادة غير محتمل؛ لأن قتال هوازن وثقيف يوم حنين كان في زمن رسول اللَّه - صَلَّى اللَّهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ - وهو تولى ذلك، وقال في آية أخرى: (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا. . .) الآية، فلا يحتمل أن يدعوا إلى قتال هَؤُلَاءِ وهو تولى قتالهم، وقد قال اللَّه - تعالى - خبرًا عنه: (وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا)، فإذا لم يحتمل هذا رجع التأويل إلى ما قال ابن عَبَّاسٍ ومقاتل - رضي اللَّه عنهما - أنهم إنما دعوا إلى قتال أهل اليمامة

<<  <  ج: ص:  >  >>