وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ. وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ. كَلَّا) الإشكال أن يقول قائل: قول ذلك الإنسان: (رَبِّي أَكْرَمَنِ)، و (رَبِّي أَهَانَنِ) خرج موافقا لما قاله الرب تعالى؛ لأنه قال:(فَأَمَّا الْإِنْسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ)؛ فخرج قوله:(رَبِّي أَكْرَمَنِ) على الموافقة لما قال، وكذا قول هذا الإنسان حيث ابتلي بنقيضه:(رَبِّي أَهَانَنِ)، خرج موافقا لما قال:(وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ)، فإذا كان الأول إكراما كان الذي يضاده إهانة؛ ألا ترى أن اللَّه - تعالى - سمى المال: خيرا، والفقر: شرا، وسمى المطيع: محسنا، والعاصي: مسيئا، فكذا إذا استقام القول بالإكرام عندما ينعم عليه ويكرم، استقام القول بالإهانة إذا ضيق عليه الرزق ولم يكرم، وإذا كان هكذا فكيف رد عليه مقالته بقوله:(كَلَّا)، وهو في ذلك صادق.
ولكن نحن نقول: إن الرد بقوله: (كَلَّا) لم يقع على نفس القول، ولا انصرف إليه، وإنما انصرف إلى ما أراده بقوله؛ لأن القائل بهذا كافر باللَّه تعالى وباليوم الآخر، وكان يقول: لا بعث ولا جزاء، وإنَّمَا يجازون بأعمالهم في هذه الدنيا، فمن أحسن أحسن له، ومن أساء أهين؛ فيكون قوله:(كَلَّا)، أي: ليس الأمر كما صوره في