يقول - واللَّه أعلم -: لست أنت المخصوص بهذا، ولكن لك شركاء وأصحاب في ذلك؛ ليخف ذلك عليه ويهون؛ لأن العرف في الخلق أن من كان له شركاء وأصحاب في شدة أصابته أو بلاء يصيبه - كان ذلك أيسر عليه، وأهون من أن يكون مخصوصًا به، من بين سائر الخلائق. واللَّه أعلم.
كان هذه الآية صلة قولهم:(يَا أَيُّهَا الَّذِي نُزِّلَ عَلَيْهِ الذِّكْرُ)، فكأنه لما سمع هذا اشتد عليه، وضاق صدره بذلك؛ فعند ذلك قال:(وَلَقَدْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ فِي شِيَعِ الْأَوَّلِينَ. . .) إلى آخره، يصبره على أذاهم وهزئهم به؛ فإنما يشتد عليه ذلك؛ على قدر شفقته ونصيحته لهم، وكان بلغ نصيحته وشفقته لهم ما ذكر:(لَعَلَّكَ بَاخِعٌ نَفْسَكَ) وقوله: (فَلَا تَذْهَبْ نَفْسُكَ عَلَيْهِمْ حَسَرَاتٍ)، كادت نفسه تهلك، أو ذكر هذا له لما أن هَؤُلَاءِ - أعني قومه - إنما استهزءوا به تقليدًا لآبائهم، واستهزاء بهم وتلقنوا منهم، لا أنهم أنشئوا ذلك من أنفسهم، وأُولَئِكَ - أعني: الأوائل - إنما استهزءوا برسلهم، لا تقليدًا بأحد، ولكن إنشاء من ذات أنفسهم، فمن استهزأ بآخر فشتمه تقليدًا واقتداء وتلقنًا - كان ذلك أيسر عليه وأخف ممن فعل به من ذاته؛ لأنه إنما يلقن المجانين والصبيان ومن به آفة، بمثل ذلك؛ فهم الذين يعملون بالتلقين، وأما العقلاء السالمون عن الآفات - فلا، فذلك أهون عليه من استهزاء أُولَئِكَ برسلهم واللَّه أعلم.