للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

إحداها: أن القدرة لا تفارق الفعل، حيث قال: (عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) ثم قال: (وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنْفِقُ مِنْهُ) جعل مقابل الفعل القدرة، فلو كانت تفارق الفعل لكان ذكر مقابل القدرة قدرة مثلها، أو مقابل الفعل فعلا مثله، فلما ذكر مقابل القدرة الفعل دل أنها لا تفارق الفعل، وفيه أن العبد لا يملك حقيقة الملك، حيث ذكر عبدًا مملوكًا لا يقدر على شيء، وإن قدر على ما يملك إنما يملك بإذن من له الملك، وكذلك الخلائق كلهم لا يملكون حقيقة الإملاك، إنما حقيقة الملك في الأشياء لله وإن قدراوا على ما يملكون إنما يملكون بالإذن على قدر ما أذن لهم.

وفيه أن العبد لا يملك الإنفاق والتصدق، حيث قال: (عَبْدًا مَمْلُوكًا لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ) ثم قال فيمن يملك: (وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا حَسَنًا فَهُوَ يُنفِقُ مِنهُ) دل أنه لا يملك العبد الإنفاق والهبة.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (هَلْ يَسْتَوُونَ الْحَمْدُ لِلَّهِ) قَالَ بَعْضُهُمْ: ذكر الحمد لله على إثر ما ذكر؛ لأنه عرَّف رسوله النعم وأنواع المنافع، ثم عرفه على إثر ذلك الحمد لله.

وقَالَ بَعْضُهُمْ: الحمد لله ثناء، أخبر أن أكثرهم لا يعلمون حمد اللَّه وثناءه.

وقوله: (وَمَنْ رَزَقْنَاهُ مِنَّا رِزْقًا) أي: من أوليائنا، أو من أولياء ديننا، وذلك جائز سائغ في اللغة، ثم قوله: (لَا يَعْلَمُونَ) يحتمل نفي العلم عنهم لما لم ينتفعوا بما علموا، أو على حقيقة النفي لما لم ينظروا في الآيات والحجج، ولم يتأملوا فيها فلم يعلموا، والله أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (وَضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلَيْنِ أَحَدُهُمَا أَبْكَمُ لَا يَقْدِرُ عَلَى شَيْءٍ وَهُوَ كَلٌّ عَلَى مَوْلَاهُ ... (٧٦)، إلى آخر الآية "

قالوا: هذا المثل كالأول، يحتمل الوجهين اللذين ذكرناهما في الأول.

أحدهما: المؤمن والكافر، شبه الكافر بالمملوك الأبكم الذي لا يقدر على شيء وهو كل على مولاه، لا يأتي المولى بخير، ولا ينتفع به، وشبه المؤمن بالذي يأتي المولى بكل خير ونفع، يقول: هل استوى هذا مع هذا عندكم؟ لا يستوي، فعلى ذلك لا يستوي الكافر الذي لا يعمل شيئًا من طاعة اللَّه، ولا يأتي بخير والمؤمن الذي يعمل كل طاعة اللَّه، ويأتي بكل خير، ويأمر بكل عدل.

<<  <  ج: ص:  >  >>