وبعد، فإنهم قد اتبعوا فرعون بما ادعى لنفسه من الألوهية بلا حجة وبرهان طلبوا منه، وتركوا اتباع موسى - عليه السلام - بما ادعى من الرسالة بعدما أقام على ذلك من البينات والحجج والبراهين؛ فلذلك قال:" جعلت أرواح آل فرعون في أجواف طير سود يعرضون على النار كل يوم مرتين، يقال: يا آل فرعون، هذه داركم "، قال عبد اللَّه: فذلك عرضها، فإن ثبت هذا عن ابن مسعود - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كان لهم أشد العذاب، والله أعلم.
ما ذكر هاهنا وفي آي من القرآن وهو ما ذكر:(فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ)، قد علم الضعفاء الأتباع لا يملكون دفع ما هم فيه؛ لأنهم لو كانوا يملكون ذلك، لدفعوا عن أنفسهم، فإذا لم يملكوا دفع ذلك عن أنفسهم [فلئلا] يملكوا دفع ذلك عنهم أحق، لكنهم قالوا ذلك لهم ليزدادوا حسرة وندامة؛ وهو كقوله تعالى في آية أخرى:(فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ. . .)، إلى قوله:(سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ).
ويحتمل أنهم إنما قالوا لهم ذلك لما قالوا لهم في الدنيا:(اتَّبِعُوا سَبِيلَنَا وَلْنَحْمِلْ خَطَايَاكُمْ) فيقولون لهم لذلك في الآخرة: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) أي: حاملون عنا بعض الذي علينا من العذاب (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا) في الدنيا (إِنَّا كُلٌّ فِيهَا) ونعذب (إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ).