للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

اللَّه، لكن المؤمنين لا يمتنعون عن الخروج في سبيل اللَّه؛ إذ قالوا لهم مطلقًا: " لا تنفروا "، وهو كقوله: (الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ قَدْ جَمَعُوا لَكُمْ فَاخْشَوْهُمْ) كانوا يجبنون المؤمنين عن الخروج إلى الغزو، وكانوا يحتالون في منعهم المؤمنين عن الخروج في سبيل اللَّه، ولو أطلقوا القول في المنع وصرحوه لفهم المؤمنون ذلك، ولظهر نفاقهم.

وجائز أن يكون قولهم: (لَا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ) قالوا ذلك لأتباعهم، لا للمؤمنين؛ كقوله: (وَقَالُوا لِإِخْوَانِهِمْ إِذَا ضَرَبُوا فِي الْأَرْضِ أَوْ كَانُوا غُزًّى).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (قُلْ نَارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كَانُوا يَفْقَهُونَ) أي: لو كانوا يفقهون، ما أنزل على رسول اللَّه لعلموا أن نار جهنم أشد حرًّا من حر الدنيا.

أو لو كانوا يفقهون أنهم لم يخلقوا في الدنيا للدنيا خاصّة، ولكن خلقهم فيها ليمتحنهم؛ لعلموا أن الموعود في الآخرة أشد مما امتحنوا في الدنيا، واللَّه أعلم.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَلْيَضْحَكُوا قَلِيلًا وَلْيَبْكُوا كَثِيرًا جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ (٨٢)

يشبه أن يكون الضحك كناية عن الفرح والسرور، والبكاء كناية عن الحزن؛ يقول: افرحوا وسروا قليلا، وتحزنون في الآخرة طويلًا كثيرًا.

ويمكن أن يكون على حقيقة الضحك؛ لأنهم كانوا يضحكون ويستهزئون بالمؤمنين في الدنيا؛ يقول: ضحكوا قليلًا؛ لأن الدنيا قليلة تنقطع، ويبكون كثيرًا في الآخرة؛ لأنها لاتنقطع (جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ).

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَإِنْ رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ فَاقْعُدُوا مَعَ الْخَالِفِينَ (٨٣)

دل قوله: (رَجَعَكَ اللَّهُ إِلَى طَائِفَةٍ مِنْهُمْ)، أي: ليس كل من تخلف عنه في ذلك فهو منافق، ولا كل المنافقين امتههوا وتخلفوا عنه.

وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (فَاسْتَأْذَنُوكَ لِلْخُرُوجِ فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا).

لأنه أخبر أن خروجهم معهم لا يزيدهم إلا خبالًا وفسادًا، فيقول: (لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا وَلَنْ تُقَاتِلُوا مَعِيَ عَدُوًّا إِنَّكُمْ رَضِيتُمْ بِالْقُعُودِ أَوَّلَ مَرَّةٍ)، أي: عوقبوا بالقعود أول مرة لنفاقهم.

وقوله: (فَقُلْ لَنْ تَخْرُجُوا مَعِيَ أَبَدًا) أي: لن آذن لكم أن تخرجوا معي أبدًا، ولن آذن

<<  <  ج: ص:  >  >>