وجائز أن يكون اختصامهم ما ذكر من أول السورة إلى هذا الموضع، من ذلك قوله:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُجَادِلُ فِي اللَّهِ بِغَيْرِ عِلْمٍ)، وقوله:(وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ)، وقوله:(إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَالَّذِينَ هَادُوا وَالصَّابِئِينَ وَالنَّصَارَى وَالْمَجُوسَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا)، يكون اختصامهم بين هَؤُلَاءِ الذين ذكرهم في هذه السورة، وهم أهل الإسلام وأهل الكفر؛ في الآية بيان ذلك، حيث قال:(فَالَّذِينَ كَفَرُوا قُطِّعَتْ لَهُمْ ثِيَابٌ مِنْ نَارٍ)، وقال في المؤمنين:(إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ).
ثم جائز أن يكون هذا الذي ذكر في الآية الأولى، حيث قال:(إِنَّ اللَّهَ يَفْصِلُ بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ): ينزل أهل الإسلام في الجنة وأهل الكفر في النار، واللَّه أعلم.
قَالَ الْقُتَبِيُّ: يصهر: يذاب، يقال: صهرت النار الشحمة، والصهارة: ما أذيب من الألية، وكذلك قال: الصّهارة: ما يبقى من الشحم والألية إذا أذيبا، يقال: صهرت الشحم: أي أذبت، أصهره صهرًا.
(وَلَهُمْ مَقَامِعُ مِنْ حَدِيدٍ (٢١) قَالَ بَعْضُهُمْ: المقامع: الأعمدة من الحديد، وهو قول أبي معاذ.
وقَالَ بَعْضُهُمْ: المقامع: شبه العصي، الواحدة: مقمعة.
قال أبو معاذ: يعني قوله: (يُصْهَرُ بِهِ مَا فِي بُطُونِهِمْ) أي: يذاب ما في بطونهم خاصة، وأمَّا الجلود فإتها تحرق؛ لأن الجلد لا يصهر ولا ينصهر، وقال: هذا مثل قول العرب: (أتيته فأطعمني واللَّه ثريدًا، واللَّه ولبنا قارصا - أي: حامضا - واللَّه فإزارًا ورداءً، واللَّه وحملانا فارها) تصير لكل شيء فعلا يشاكله، وفي القرآن مثله كثير، وكذلك في اللسان.
وقوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (كُلَّمَا أَرَادُوا أَنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا مِنْ غَمٍّ أُعِيدُوا فِيهَا وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ (٢٢) قَالَ بَعْضُهُمْ: إن جهنم إذا جاشت، ألقت من فيها إلى أعلاها، فيريدون الخروج منها، فيعيدهم الخزان فيها بالمقامع، ويقول لهم الخزنة:(وَذُوقُوا عَذَابَ الْحَرِيقِ).