قال الحسن: قوله تعالى: (إِلَّا وُسْعَهَا)، إلا ما يحل ويسع، لكن بعض الناس يقولون: هذا بعيد، لا يحتمل الآية، إذا كلف حل ووسع. فإذا كان كذلك لم يكن لقوله معنى.
قيل له: هو كقوله تعالى: (أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ)، إذا أحل طَيَّب وإذا طيب أحل. فكذا الأول. وكذا ذكرنا الأمرين جميعًا.
وتأويل ثان (إِلَّا وُسْعَهَا): إلا طاقتها وكذلك قول المعتزلة: غير أنا اختلفنا في تقدم استطاعة الأفعال فمنعنا نحن تقدمها وقلنا لا تكون إلا مع الفعل، وقالت المعتزلة، بتقدم الفعل، وأما عندنا: فإنها على وجهين:
استطاعة الأحوال والأسباب، واستطاعة الأفعال.
أما استطاعة الأحوال والأسباب: فإنها يتقدمها، وعلى ذلك يقع الخطاب، دليله: قوله عَزَّ وَجَلَّ: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلًا). قيل: يا رسول اللَّه ما الاستطاعة؟ قال:" الزاد والراحلة ". ثم كل يجمع أن من كان بأقصى بلاد المسلمين قد يلزمه فرض الحج، على علم كل منهم أن تلك الاستطاعة لو صرفت إلى استطاعة الأفعال لم يبق إلى وقت وجود الأفعال، ثم قد لزمه ذلك؛ فبان أن الكلفة إنما تقع على استطاعة الأحوال والأسباب، وكذلك الكلفة في جميع الطاعات.
فَإِنْ قِيلَ: قد يقع هذا على الخروج، فيوجد الفعل عقيب قوة الخروج، قيل: لو كان كذا لكان لا يلزم فرض الحج إلا بالخروج، وله ترك الخروج، إذ باكتساب الخروج يلزمه فرض الحج، فلا يلزم عليه فرض الحج؛ فثبت أنه لا يحتمله، بل هو على ما قاله أصحابنا - رحمهم اللَّه -: إنها استطاعة الأحوال والأسباب، وتلك تتقدم، لما ذكرنا. واللَّه أعلم.
وأما استطاعة الأفعال: فإنها تحدث بحدوث الأفعال وتتلو كالأوقات التي لا تبقى في