ثم قوله - عَزَّ وَجَلَّ -: (لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ)، (لِقَوْمٍ يَفْقَهُونَ) الفقه هو معرفة الشيء بمعناه الدال على نظيره، والعلم ما يعرف نفسه؛ ولهذا لا يقال: اللَّه فقيه، ويقال: عالم؛ لأنه عالم بالأشياء بذاته لا بأغيارها ونظائرها، والفقيه: هو الذي يعرف الأشياء بأغيارها ونظائرها ودلائلها.
يذكرهم عَزَّ وَجَلَّ عظيم منته بما ينزل من السماء من الماء، ويخرج به نبات كل شيء؛ كما ذكرهم من النعم بما جعل لهم من الشمس والنجوم؛ ليهتدوا، بها في الظلمات واشتباه الطريق، وما جعل الليل للسكون والراحة، والنهار للمعاش والتقلب، وما جعل لهم من الشمس والقمر، وجعل لهم فيهما من المنافع من نضج الأنزال والزروع وينعهما ومعرفة عدد السنين والحساب والآجال التي يجعلون للعقود، وغير ذلك من النعم التي أنعمها عليهم؛ لئلا يرجعوا شكر هذه النعم إلى غيره، ولا يتخذوا إلهًا سواه، وقد ذكرنا أن سورة الأنعام نزل أكثرها في محاجة أهل الشرك في إثبات الوحدانية له والألوهية لله، وإثبات الرسالة والنبوة، وإثبات البعث بعد الموت؛ لأنهم كانوا ينكرون ذلك كله.
يحتمل قوله:(نَبَاتَ كُلِّ شَيْءٍ)، ما بالخلق حاجة إليه؛ ليعلم أن كل ما يخرج في الأرض أصله من الماء به ينبت مما يكون غذاء البشر وغذاء الحيوان كلهم والطيور؛ كقوله:(وَجَعَلْنَا مِنَ الْمَاءِ كُلَّ شَيْءٍ حَيٍّ أَفَلَا يُؤْمِنُونَ)، يذكرهم عظيم ما جعل